الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 32 ] الحديث الرابع والعشرون . عن أبي ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950855nindex.php?page=treesubj&link=25986يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر لكم ذنوبكم جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر ، يا عبادي إنما هي أعمالكم : أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله عز وجل . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه . رواه مسلم .
[ ص: 33 ]
[ ص: 33 ] هذا الحديث خرجه مسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=15995سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن زيد عن nindex.php?page=showalam&ids=11811أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر ، وفي آخره : قال nindex.php?page=showalam&ids=15995سعيد بن عبد العزيز : كان nindex.php?page=showalam&ids=11811أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه . وخرجه مسلم أيضا من رواية قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يسقه بلفظه ، ولكنه قال : وساق الحديث بنحو سياق أبي إدريس ، وحديث أبي إدريس أتم . وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب عن nindex.php?page=showalam&ids=16345عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950856يقول الله تعالى : يا عبادي ، كلكم ضال إلا من هديت ، فسلوني الهدى أهدكم ، وكلكم فقير إلا من أغنيت فسلوني أرزقكم ، وكلكم مذنب إلا من عافيت ، فمن علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة واستغفرني ، غفرت له ولا أبالي ، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أتقى قلب عبد من عبادي ما زاد ذلك في ملكي جناح بعوضة ، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم ، اجتمعوا في صعيد واحد ، فسأل كل إنسان منكم ما بلغت أمنيته فأعطيت كل سائل منكم ، ما نقص ذلك من ملكي إلا كما لو أن أحدكم مر بالبحر ، فغمس فيه إبرة ثم رفعها إليه ، ذلك بأني جواد واجد ماجد أفعل ما أريد ، عطائي كلام ، وعذابي كلام ، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له : كن فيكون وهذا لفظ الترمذي ، وقال : حديث حسن . وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني بمعناه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أن إسناده ضعيف . [ ص: 34 ] وحديث أبي ذر قال nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : هو أشرف حديث لأهل الشام . فقوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950857يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي " يعني : أنه منع نفسه من الظلم لعباده ، كما قال عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=29وما أنا بظلام للعبيد [ ق : 29 ] ، وقال : nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=31وما الله يريد ظلما للعباد [ غافر 31 ] ، وقال nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=108وما الله يريد ظلما للعالمين [ آل عمران : 108 ] ، وقال nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=46وما ربك بظلام للعبيد [ فصلت : 46 ] ، وقال : nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=44إن الله لا يظلم الناس شيئا [ يونس : 44 ] ، وقال nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40إن الله لا يظلم مثقال ذرة [ النساء : 40 ] ، وقال : [ ص: 35 ] nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=112ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما [ طه : 112 ] ، والهضم : أن ينقص من جزاء حسناته ، والظلم : أن يعاقب بذنوب غيره ، ومثل هذا كثير في القرآن . وهو مما يدل على أن الله قادر على الظلم ، ولكن لا يفعله فضلا منه وجودا وكرما وإحسانا إلى عباده . وقد فسر كثير من العلماء nindex.php?page=treesubj&link=25985الظلم بأنه وضع الأشياء في غير موضعها . وأما من فسره بالتصرف في ملك الغير بغير إذنه - وقد نقل نحوه عن nindex.php?page=showalam&ids=12444إياس بن معاوية وغيره - فإنهم يقولون : إن الظلم مستحيل عليه ، وغيره متصور في حقه ، لأن كل ما يفعله فهو تصرف في ملكه ، وبنحو ذلك أجاب nindex.php?page=showalam&ids=11822أبو الأسود الدؤلي nindex.php?page=showalam&ids=40لعمران بن حصين حين سأله عن القدر . وخرج أبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12034أبي سنان سعيد بن سنان ، عن وهب بن خالد الحمصي ، nindex.php?page=hadith&LINKID=950858عن ابن الديلمي أنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب يقول : لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه ، لعذبهم وهو غير ظالم لهم ، ولو رحمهم ، لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ، وأنه أتى nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، فقال له مثل ذلك ، ثم أتى nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ، فحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك . وفي هذا الحديث نظر ، ووهب بن خالد ليس بذلك المشهور بالعلم . وقد يحمل على أنه لو أراد تعذيبهم ، لقدر لهم ما يعذبهم عليه ، فيكون غير ظالم لهم حينئذ . [ ص: 36 ] nindex.php?page=treesubj&link=28785_29625وكونه خلق أفعال العباد وفيها الظلم لا يقتضي وصفه بالظلم سبحانه وتعالى ، كما أنه nindex.php?page=treesubj&link=29625لا يوصف بسائر القبائح التي يفعلها العباد ، وهي خلقه وتقديره ، فإنه لا يوصف إلا بأفعاله لا يوصف بأفعال عباده ، فإن أفعال عباده مخلوقاته ومفعولاته ، وهو لا يوصف بشيء منها ، إنما يوصف بما قام به من صفاته وأفعاله والله أعلم . وقوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=950859وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا " يعني : أنه تعالى حرم الظلم على عباده ، ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم ، فحرام على كل عبد أن يظلم غيره ، مع أن nindex.php?page=treesubj&link=25986الظلم في نفسه محرم مطلقا ، وهو نوعان : أحدهما : nindex.php?page=treesubj&link=28675ظلم النفس ، وأعظمه الشرك ، كما قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم [ لقمان : 13 ] ، فإن المشرك جعل المخلوق في منزلة الخالق ، فعبده وتألهه ، فهو وضع الأشياء في غير موضعها ، وأكثر ما ذكر في القرآن من وعيد الظالمين إنما أريد به المشركون ، كما قال عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=254والكافرون هم الظالمون [ البقرة : 254 ] ثم يليه المعاصي على اختلاف أجناسها من كبائر وصغائر . والثاني : nindex.php?page=treesubj&link=32526ظلم العبد لغيره ، وهو المذكور في هذا الحديث ، وقد nindex.php?page=hadith&LINKID=950860قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا . وروي عنه nindex.php?page=hadith&LINKID=950861أنه خطب بذلك في يوم النحر من يوم عرفة ، وفي اليوم الثاني من أيام التشريق ، وفي رواية : ثم قال : " اسمعوا مني تعيشوا ، ألا لا تظلموا ، ألا لا تظلموا ، ألا لا تظلموا ؛ إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " . وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950862إن nindex.php?page=treesubj&link=25987الظلم ظلمات يوم القيامة . وفيهما عن أبي موسى عن nindex.php?page=hadith&LINKID=950863النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=102وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد [ هود : 102 ] . وفي " صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950864من كانت عنده مظلمة لأخيه ، فليتحلله منها ، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته ، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه .
قوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=950865يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي ، كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي ، كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم " . هذا يقتضي أن nindex.php?page=treesubj&link=28685جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى في جلب مصالحهم ، ودفع مضارهم في أمور دينهم ودنياهم ، وأن العباد لا يملكون لأنفسهم شيئا من ذلك كله ، وأن من لم يتفضل الله عليه بالهدى والرزق ، فإنه يحرمهما في الدنيا ، [ ص: 38 ] ومن لم يتفضل الله عليه بمغفرة ذنوبه أوبقته خطاياه في الآخرة . قال الله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=17من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا [ الكهف : 17 ] ، ومثل هذا كثير في القرآن ، وقال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده [ فاطر : 2 ] ، وقال nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=58إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين [ الذاريات : 58 ] ، وقال : nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=17فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه [ العنكبوت : 17 ] ، وقال : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها [ هود : 6 ] . وقال تعالى حاكيا عن آدم وزوجه أنهما قالا : nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=23ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين [ الأعراف : 23 ] ، وعن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين [ هود : 47 ] . وقد استدل إبراهيم الخليل عليه السلام بتفرد الله بهذه الأمور على أنه لا إله غيره ، وأن كل ما أشرك معه فباطل ، فقال لقومه : nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=75أفرأيتم ما كنتم تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76أنتم وآباؤكم الأقدمون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فإنهم عدو لي إلا رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الذي خلقني فهو يهدين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=79والذي هو يطعمني ويسقين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=80وإذا مرضت فهو يشفين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=81والذي يميتني ثم يحيين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين [ الشعراء : 75 - 82 ] ، فإن من تفرد بخلق العبد وبهدايته وبرزقه وإحيائه وإماتته في الدنيا ، وبمغفرة ذنوبه في الآخرة ، مستحق أن يفرد بالإلهية والعبادة والسؤال والتضرع إليه والاستكانة له . قال الله عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=40الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون [ الروم : 40 ] . وفي الحديث دليل على أن nindex.php?page=treesubj&link=28685الله يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم ، من الطعام والشراب والكسوة وغير ذلك ، كما يسألونه الهداية [ ص: 39 ] والمغفرة ، وفي الحديث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950700ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع " . وكان بعض السلف يسأل الله في صلاته كل حوائجه حتى ملح عجينه وعلف شاته . وفي الإسرائيليات أن موسى عليه السلام قال : يا رب ، إنه لتعرض لي الحاجة من الدنيا ، فأستحي أن أسألك ، قال : سلني حتى ملح عجينك وعلف حمارك . فإن كل ما يحتاج العبد إليه إذا سأله من الله فقد أظهر حاجته فيه ، وافتقاره إلى الله ، وذاك يحبه الله ، وكان بعض السلف يستحي من الله أن يسأله شيئا من مصالح الدنيا ، والاقتداء بالسنة أولى . وقوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=950866كلكم ضال إلا من هديته " قد ظن بعضهم أنه معارض لحديث عياض بن حمار ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل : nindex.php?page=hadith&LINKID=950867خلقت عبادي حنفاء " وفي رواية : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950868مسلمين فاجتالتهم الشياطين " وليس كذلك ، فإن nindex.php?page=treesubj&link=29619الله خلق بني آدم ، وفطرهم على قبول الإسلام ، والميل إليه دون غيره ، والتهيؤ لذلك ، والاستعداد له بالقوة ، لكن لا بد للعبد من تعليم الإسلام بالفعل ، فإنه قبل التعليم جاهل لا يعلم شيئا كما قال عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا [ النحل : 78 ] وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=7ووجدك ضالا فهدى [ الضحى : 7 ] ، والمراد : وجدك غير عالم بما علمك من الكتاب والحكمة ، كما قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان [ الشورى : 52 ] فالإنسان يولد مفطورا على قبول الحق ، فإن هداه الله سبب له من يعلمه الهدى ، فصار مهتديا بالفعل بعد أن كان مهتديا بالقوة ، وإن خذله الله ، قيض له من يعلمه ما يغير فطرته كما قال صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950869كل مولود يولد على الفطرة ، [ ص: 40 ] فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه . وأما nindex.php?page=treesubj&link=32050سؤال المؤمن من الله الهداية ، فإن nindex.php?page=treesubj&link=32050الهداية نوعان : هداية مجملة وهي الهداية للإسلام والإيمان وهي حاصلة للمؤمن ، وهداية مفصلة ، وهي هداية إلى معرفة تفاصيل أجزاء الإيمان والإسلام وإعانته على فعل ذلك ، وهذا يحتاج إليه كل مؤمن ليلا ونهارا ، ولهذا أمر الله عباده أن يقرءوا في كل ركعة من صلاتهم قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم [ الفاتحة : 6 ] ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه بالليل : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950870اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " ولهذا nindex.php?page=treesubj&link=18221يشمت العاطس ، فيقال له : " يرحمكم الله " فيقول : " يهديكم الله " كما جاءت به السنة بذلك ، وإن أنكره من أنكره من فقهاء العراق ظنا منهم أن المسلم لا يحتاج أن يدعى له بالهدى ، وخالفهم جمهور العلماء اتباعا للسنة في ذلك . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن يسأل الله السداد والهدى ، nindex.php?page=hadith&LINKID=950872وعلم الحسن أن يقول في قنوت الوتر : " اللهم اهدني فيمن هديت " . [ ص: 41 ] وأما nindex.php?page=treesubj&link=20010الاستغفار من الذنوب ، فهو طلب المغفرة ، والعبد أحوج شيء إليه ، لأنه يخطئ بالليل والنهار ، وقد تكرر في القرآن ذكر التوبة والاستغفار ، والأمر بهما ، والحث عليهما ، وخرج الترمذي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950873كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950874والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم سبعين مرة وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، ولفظه nindex.php?page=hadith&LINKID=950875إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم مائة مرة . وخرج مسلم من حديث الأغر المزني سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=950876يا أيها الناس توبوا إلى ربكم ، فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ولفظه : nindex.php?page=hadith&LINKID=950877يا أيها الناس توبوا إلى ربكم واستغفروه ، فإني أتوب إلى الله وأستغفره كل يوم مائة مرة . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من nindex.php?page=hadith&LINKID=950878حديث حذيفة قال : كان في لساني ذرب على أهلي لم أعده إلى غيره ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أين أنت من الاستغفار يا حذيفة ، إني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة . ومن حديث أبي موسى عن النبي [ ص: 42 ] صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950879إني لأستغفر الله مائة مرة وأتوب إليه . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من حديث أبي موسى ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950880كنا جلوسا فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما أصبحت غداة قط إلا استغفرت الله مائة مرة . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وأبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950881إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة يقول : رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : لم أر أحدا أكثر أن يقول : أستغفر الله وأتوب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=950883اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا ، وإذا أساءوا استغفروا ، وسنذكر بقية [ ص: 43 ] الكلام في الاستغفار فيما بعد إن شاء الله تعالى .
وقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950884يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني " يعني أن العباد لا يقدرون أن يوصلوا إلى الله نفعا ولا ضرا ، فإن الله تعالى في نفسه غني حميد ، لا حاجة له بطاعات العباد ، ولا يعود نفعها إليه ، وإنما هم ينتفعون بها ، ولا يتضرر بمعاصيهم ، وإنما هم يتضررون بها ، قال الله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=176ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا [ آل عمران : 176 ] . وقال nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا [ آل عمران : 144 ] . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950885ومن يعص الله ورسوله ، فقد غوى ، ولا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا " . قال الله عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا [ النساء : 131 ] ، وقال حاكيا عن موسى : nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=8وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد [ إبراهيم : 8 ] ، وقال : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ومن كفر فإن الله غني عن العالمين [ آل عمران : 97 ] ، وقال : nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=37لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم [ الحج : 37 ] . والمعنى : أنه تعالى يحب من عباده أن يتقوه ويطيعوه ، كما أنه يكره منهم أن يعصوه ، ولهذا nindex.php?page=treesubj&link=19705يفرح بتوبة التائبين أشد من فرح من ضلت راحلته التي عليها طعامه وشرابه بفلاة من الأرض ، وطلبها حتى أعيى وأيس منها ، واستسلم للموت ، وأيس من الحياة ، ثم غلبته عينه فنام ، فاستيقظ وهي قائمة عنده وهذا أعلى ما يتصوره المخلوق من الفرح ، هذا كله مع غناه عن طاعات عباده [ ص: 44 ] وتوباتهم إليه ، وإنه إنما يعود نفعها إليهم دونه ، ولكن هذا من كمال جوده وإحسانه إلى عباده ، ومحبته لنفعهم ، ودفع الضرر عنهم ، فهو يحب من عباده أن يعرفوه ويحبوه ويخافوه ويتقوه ويطيعوه ويتقربوا إليه ، ويحب أن يعلموا أنه لا يغفر الذنوب غيره ، وأنه قادر على مغفرة ذنوب عباده ، كما في رواية nindex.php?page=showalam&ids=16345عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر لهذا الحديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=950886 " من علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة ، ثم استغفرني غفرت له ولا أبالي " . وفي " الصحيح " عن النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=950887أن عبدا أذنب ذنبا ، فقال : يا رب ، إني عملت ذنبا ، فاغفر لي ؛ فقال الله : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنوب ويأخذ بالذنب ، قد غفرت لعبدي " . وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=950888أنه لما ركب دابته ، حمد الله ثلاثا ، وكبر ثلاثا ، وقال : سبحانك إني ظلمت نفسي ، فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ثم ضحك ، وقال : إن ربك ليعجب من عبده إذا قال : رب اغفر لي ذنوبي ، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري ، خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وصححه . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950889والله لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها . كان بعض أصحاب ذي النون يطوف وينادي : آه أين قلبي ، من وجد قلبي ؟ فدخل يوما بعض السكك ، فوجد صبيا يبكي وأمه تضربه ، ثم أخرجته من الدار ، وأغلقت الباب دونه ، فجعل الصبي يلتفت يمينا وشمالا لا يدري أين يذهب ولا [ ص: 45 ] أين يقصد ، فرجع إلى باب الدار ، فجعل يبكي ويقول : يا أماه من يفتح لي الباب إذا أغلقت عني بابك ؟ ومن يدنيني إذا طردتيني ؟ ومن الذي يدنيني إذا غضبت علي ؟ فرحمته أمه ، فنظرت من خلل الباب ، فوجدت ولدها تجري الدموع على خديه متمعكا في التراب ، ففتحت الباب ، وأخذته حتى وضعته في حجرها وجعلت تقبله ، وتقول : يا قرة عيني ، ويا عزيز نفسي ، أنت الذي حملتني على نفسك ، وأنت الذي تعرضت لما حل بك ، لو كنت أطعتني لم تلق مني مكروها ، فتواجد الفتى ، ثم قام فصاح ، وقال : قد وجدت قلبي ، قد وجدت قلبي . وتفكروا في قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله [ آل عمران : 135 ] ، فإن فيه إشارة إلى أن المذنبين ليس لهم من يلجئون إليه ، ويعولون عليه في مغفرة ذنوبهم - غيره ، وكذلك قوله في حق الثلاثة الذين خلفوا : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=118حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم [ التوبة : 118 ] ، فرتب توبته عليهم على ظنهم أن لا ملجأ من الله إلا إليه ، فإن العبد إذا خاف من مخلوق ، هرب منه ، وفر إلى غيره ، وأما من خاف من الله ، فما له من ملجأ يلجأ إليه ، ولا مهرب يهرب إليه إلا هو ، فيهرب منه إليه ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه nindex.php?page=hadith&LINKID=950890 " لا ملجأ ، ولا منجا منك إلا إليك " وكان يقول : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950891أعوذ برضاك من سخطك ، وبعفوك من عقوبتك ، وبك منك " . [ ص: 46 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض رحمه الله : ما من ليلة اختلط ظلامها ، وأرخى الليل سربال سترها ، إلا نادى الجليل جل جلاله : من أعظم مني جودا ، والخلائق لي عاصون ، وأنا لهم مراقب ، أكلؤهم في مضاجعهم ، كأنهم لم يعصوني ، وأتولى حفظهم كأنهم لم يذنبوا فيما بيني وبينهم ، أجود بالفضل على العاصي ، وأتفضل على المسيء ، من ذا الذي دعاني فلم ألبه ؟ أم من ذا الذي سألني فلم أعطه ؟ أم من الذي أناخ ببابي فنحيته ؟ أنا الفضل ، ومني الفضل ، أنا الجواد ، ومني الجود ، وأنا الكريم ، ومني الكرم ، ومن كرمي أن أغفر للعاصين بعد المعاصي ، ومن كرمي أن أعطي العبد ما سألني ، وأعطيه ما لم يسألني ، ومن كرمي أن أعطي التائب كأنه لم يعصني ، فأين عني يهرب الخلائق ؟ وأين عن بابي يتنحى العاصون ؟ خرجه أبو نعيم . ولبعضهم في المعنى .
أسأت ولم أحسن وجئتك تائبا وأنى لعبد عن مواليه مهرب يؤمل غفرانا فإن خاب ظنه فما أحد منه على الأرض أخيب
فقوله بعد هذا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950892يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، ولو كانوا على أفجر قلب رجل منكم ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا " : هو إشارة إلى أن ملكه لا يزيد بطاعة الخلق ، ولو كانوا كلهم بررة أتقياء ، قلوبهم على قلب أتقى رجل منهم ، ولا ينقص ملكه بمعصية العاصين ، ولو كان الجن والإنس كلهم عصاة فجرة قلوبهم على قلب أفجر رجل منهم ، فإنه سبحانه الغني بذاته عمن سواه ، وله الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله ، فملكه ملك كامل لا نقص فيه بوجه [ ص: 47 ] من الوجوه على أي وجه كان . ومن الناس من قال : إن إيجاده لخلقه على هذا الوجه الموجود أكمل من إيجاده على غيره ، وهو خير من وجوده على غيره ، وما فيه من الشر فهو شر إضافي نسبي بالنسبة إلى بعض الأشياء دون بعض ، وليس شرا مطلقا بحيث يكون عدمه خيرا من وجوده من كل وجه ، بل وجوده خير من عدمه ، وقال : وهذا معنى قوله : " بيده الخير " ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950893والشر ليس إليك " يعني : أن الشر المحض الذي عدمه خير من وجوده ليس موجودا في ملكك ، فإن الله تعالى أوجد خلقه على ما تقتضيه حكمته وعدله ، وخص قوما من خلقه بالفضل ، وترك آخرين منهم في العدل ، لما له في ذلك من الحكمة البالغة . وهذا فيه نظر ، وهو يخالف ما في هذا الحديث من أن جميع الخلق لو كانوا على صفة أكمل خلقه من البر والتقوى ، لم يزد ذلك في ملكه شيئا ، ولا قدر جناح بعوضة ، ولو كانوا على صفة أنقص خلقه من الفجور ، لم ينقص ذلك من ملكه شيئا ، فدل على أن ملكه كامل على أي وجه كان لا يزداد ولا يكمل بالطاعات ولا ينقص بالمعاصي ، ولا يؤثر فيه شيء . وفي هذا الكلام دليل على أن الأصل في التقوى والفجور هو القلب ، فإذا بر القلب واتقى برت الجوارح ، وإذا فجر القلب ، فجرت الجوارح ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950894التقوى هاهنا " وأشار إلى صدره .
قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950895يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر " المراد بهذا ذكر كمال قدرته سبحانه ، وكمال [ ص: 48 ] ملكه ، وأن ملكه وخزائنه لا تنفد ، ولا تنقص بالعطاء ، ولو أعطى الأولين والآخرين من الجن والإنس جميع ما سألوه في مقام واحد ، وفي ذلك حث للخلق على سؤاله وإنزال حوائجهم به ، وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950896يد الله ملأى لا تغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار ، أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض ؟ فإنه لم يغض ما في يمينه . وفي " صحيح مسلم " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950897nindex.php?page=treesubj&link=32043إذا دعا أحدكم ، فلا يقل : اللهم اغفر لي إن شئت ، ولكن ليعزم المسألة ، وليعظم الرغبة ، فإن الله لا يتعاظمه شيء . وقال nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري : إذا دعوتم الله ، فارفعوا في المسألة ، فإن ما عنده لا ينفده شيء ، وإذا دعوتم فاعزموا ، فإن الله لا مستكره له . وفي بعض الآثار الإسرائيلية : يقول الله عز وجل : أيؤمل غيري للشدائد والشدائد بيدي وأنا الحي القيوم ؟ ويرجى غيري ، ويطرق بابه بالبكرات ، وبيدي مفاتيح الخزائن ، وبابي مفتوح لمن دعاني ؟ من ذا الذي أملني لنائبة فقطعت به ؟ أو من ذا الذي رجاني لعظيم ، فقطعت رجاءه ؟ أو من ذا الذي طرق بابي ، فلم أفتحه له ؟ أنا غاية الآمال ، فكيف تنقطع الآمال دوني ؟ أبخيل أنا فيبخلني عبدي ؟ أليس الدنيا والآخرة والكرم والفضل كله لي ؟ فما يمنع المؤملين أن يؤملوني ؟ لو جمعت أهل السماوات والأرض ، ثم أعطيت كل واحد منهم ما أعطيت الجميع ، وبلغت كل واحد أمله ، لم ينقص ذلك من ملكي عضو ذرة ، كيف ينقص ملك أنا قيمه ؟ فيا بؤسا للقانطين من رحمتي ، ويا بؤسا لمن عصاني وتوثب على محارمي . [ ص: 49 ] وقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950898لم ينقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر " تحقيق لأن ما عنده لا ينقص البتة ، كما قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ النحل : 96 ] ، فإن البحر إذا غمس فيه إبرة ، ثم أخرجت لم ينقص من البحر بذلك شيء ، وكذلك لو فرض أنه شرب منه عصفور مثلا ، فإنه لا ينقص البحر البتة ، ولهذا ضرب الخضر لموسى عليهما السلام هذا المثل في نسبة علمهما إلى علم الله عز وجل ، وهذا لأن البحر لا يزال تمده مياه الدنيا وأنهارها الجارية ، فمهما أخذ منه لم ينقصه شيء ، لأنه يمده ما هو أزيد مما أخذ منه ، وهكذا طعام الجنة وما فيها ، فإنه لا ينفد ، كما قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=32وفاكهة كثيرة nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=33لا مقطوعة ولا ممنوعة [ الواقعة : 32 - 33 ] ، وقد جاء : " أنه كلما نزعت ثمرة ، عاد مكانها مثلها " وروي " مثلاها " ، فهي لا تنقص أبدا ويشهد لذلك nindex.php?page=hadith&LINKID=950899قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الكسوف : " وأريت الجنة ، فتناولت منها عنقودا ، ولو أخذته ، لأكلتم منه ما بقيت الدنيا " خرجاه في " الصحيحين " من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من حديث جابر ، ولفظه : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950900ولو أتيتكم [ ص: 50 ] به لأكل منه من بين السماء والأرض ، لا ينقصونه شيئا " . وهكذا لحم الطير الذي يأكله أهل الجنة يستخلف ويعود كما كان حيا لا ينقص منه شيء ، وقد روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه فيها ضعف ، وقاله كعب . وروي أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة الباهلي من قوله ، قال أبو أمامة : وكذلك الشراب يشرب منه حتى ينتهي نفسه ، ثم يعود مكانه . ورئي بعض العلماء الصالحين بعد موته بمدة في المنام فقال : ما أكلت منذ فارقتكم إلا بعض فرخ ، أما علمتم أن طعام الجنة لا ينفد ؟ . وقد بين في الحديث الذي خرجه الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه السبب الذي لأجله لا ينقص ما عند الله بالعطاء بقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950901ذلك بأني جواد واجد ماجد ، أفعل ما أريد ، عطائي كلام ، وعذابي كلام ، إنما أمري لشيء إذا أردت أن أقول له : كن فيكون " وهذا مثل قوله عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون [ يس : 82 ] ، وقوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [ النحل : 40 ] . [ ص: 51 ] وفي " مسند البزار " بإسناد فيه نظر من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خزائن الله الكلام ، فإذا أراد شيئا ، قال له : كن ، فكان " فهو سبحانه إذا أراد شيئا من عطاء أو عذاب أو غير ذلك ، قال له : كن ، فكان ، فكيف يتصور أن ينقص هذا ؟ وكذلك إذا أراد أن يخلق شيئا ، قال له : كن فيكون ، كما قال : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=59إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون [ آل عمران : 59 ] . وفي بعض الآثار الإسرائيلية : أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام : يا موسى ، لا تخافن غيري ما دام لي السلطان ، وسلطاني دائم لا ينقطع ، يا موسى ، لا تهتمن برزقي أبدا ما دامت خزائني مملوءة ، وخزائني مملوءة لا تفنى أبدا ، يا موسى لا تأنس بغيري ما وجدتني أنيسا لك ، ومتى طلبتني وجدتني ، يا موسى ، لا تأمن مكري ما لم تجز الصراط إلى الجنة . وقال بعضهم :
لا تخضعن لمخلوق على طمع فإن ذاك مضر منك بالدين واسترزق الله مما في خزائنه فإنما هي بين الكاف والنون