صاحب البكرية قال أبو محمد : ثم نصير إلى بكر صاحب البكرية وهو من أحسنهم حالا في التوقي فنجده يقول : ، فهو خالد في النار مخلد أبدا مع من سرق حبة من خردل ثم مات غير تائب من ذلك اليهود والنصارى .
[ ص: 97 ] وقد وسع الله تعالى للمسلم أن يأكل من مال صديقه وهو لا يعلم ، ووسع لداخل الحائط أن يأكل من ثمره ولا يحمل ووسع لابن السبيل إذا مر في سفره بغنم وهو عطشان أن يصيب من رسلها .
فكيف يعذب من أخذ حبة من خردل لا قدر لها ويخلده في النار أبدا ؟ وأي ذنب هو أخذ حبة من خردل حتى يكون منه توبة ؟ أو يقع فيه إصرار ، وقد يأخذ الرجل الخلال من حطب أخيه والمدر من مدره ويشرب الماء من حوضه ، وهذا أعظم قدرا من الحبة .
وكان يقول إن الأطفال لا تألم فإذا سئل فقيل له فما باله يبكي إذا قرص أو وقعت عليه شرارة ، قال : إنما ذلك عقوبة لأبويه والله تعالى أعدل من أن يؤلم طفلا لا ذنب له . فإذا سئل عن البهيمة وألمها وهي لا ذنب لها ، قال : إنما آلمها الله تعالى لمنفعة ابن آدم لتنساق ولتقف ولتجري إذا احتاج إلى ذلك منها ، وكان من العدل عنده أن يؤلمها لنفع غيرها وربما قال بغير ذلك .
وقد خلطوا في الرواية عنه ، وكان يقول : شرب نبيذ السقاء الشديد من السنة ، وكذلك أكل الجدي والمسح على الخفين .
[ ص: 98 ] والسنة إنما تكون في الدين ، في المأكول والمشروب ، ولو أن رجلا لم يأكل البطيخ بالرطب دهره وقد أكله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لم يأكل القرع وقد كان يعجب النبي - صلى الله عليه وسلم - نقل أنه ترك السنة .