قالت : فجلست إلى الأرض ، فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه ، فأنا أتخوف على أطراف سعد ، [ ص: 137 ] قالت : وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم قالت : فمر وهو يرتجز ويقول .
لبث قليلا يدرك الهيجا جمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل
قالت : [ فقمت ] فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين ، وإذا فيها ، وفيهم رجل عليه تسبغة له - يعني : المغفر - فقال عمر بن الخطاب عمر : ما جاء بك ، لعمري [ والله ] إنك لجريئة ، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز ؟ قالت : فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت لي ساعتئذ فدخلت فيها ! .قال : فرفع الرجل التسبغة عن وجهه فإذا ، فقال : ويحك يا طلحة بن عبيد الله عمر ، إنك قد أكثرت منذ اليوم ، وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله تعالى ؟ ! .
قالت : ويرمي سعدا رجل من المشركين من قريش يقال له : ابن العرقة بسهم له ، فقال له : خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله فقطعه فدعا الله سعد فقال : بني قريظة [ قالت : وكانوا حلفاؤه ومواليه في الجاهلية . قالت :فرقى كلمه، وبعث الله - عز وجل - الريح على المشركين ، فكفى الله - عز وجل - المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ، فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ،ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد ، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في ] صياصيهم ، ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من المدينة ، وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد .
قالت : جبريل - عليه السلام - وإن على ثناياه لتقع الغبار ، فقال : لقد وضعت السلاح ! لا والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح ، اخرج إلى فجاءه بني قريظة فقاتلهم .
قال : فلبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمر على بني غنم ، وهم جيران المسجد ، فقال : " من مر بكم ؟ " . فقالوا : مر بنا ، وكان دحية الكلبي دحية تشبه لحيته [ وسنه ] ووجهه جبريل - عليه السلام - .
قالت : فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، فلما اشتد حصرهم ، واشتد البلاء ، قيل لهم : انزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر ، فأشار إليهم أنه الذبح ، فقالوا : ننزل على حكم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( انزلوا على حكم سعد بن معاذ ) [ فنزلوا ] وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد بن معاذ فأتي به على حمار عليه إكاف من ليف قد حمل عليه ، وحف به قومه ، وقالوا له : يا سعد بن معاذ أبا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ، ومن قد علمت . فلم يرجع إليهم شيئا ، ولا يلتفت إليهم حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه ، فقال : قد أنا لي أن [ ص: 138 ] لا يأخذني في الله لومة لائم .
قال : قال أبو سعيد : عمر : سيدنا الله . قال : " أنزلوه " . فأنزلوه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " احكم فيهم " . قال فلما طلع قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قوموا إلى سيدكم فأنزلوه " . قال سعد : فإني . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل وحكم رسوله " . أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم ، وتسبى ذراريهم ، وتقسم أموالهم
قال : ثم دعا سعد فقال : اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئا فأبقني لها ، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك .
قالت : فانفجر كلمه وكان قد برأ إلا مثل الخرص . قالت : ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالت عائشة : فحضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر .
قالت : فوالذي نفس محمد بيده ، إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله عز وجل : رحماء بينهم .
قال علقمة : فقلت : أي أمه فكيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ؟ قالت : كانت عينه لا تدمع على أحد ، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته . وعن
قلت : في الصحيح بعضه . رواه أحمد ، وفيه ، وهو حسن الحديث ، وبقية رجاله ثقات . محمد بن عمرو بن علقمة