[ ص: 158 ] ذكر ما يدل على النسخ
أخبرني أخبرنا أبو الفضل محمد بن بنيمان بن يوسف الأديب ، عبد الرحمن بن حمد ، أخبرنا أحمد بن الحسين ، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ ، أخبرنا أخبرنا أحمد بن شعيب ، حدثنا عمرو بن منصور ، حدثنا علي بن عياش ، شعيب ، عن قال : سمعت محمد بن المنكدر ، قال : جابر بن عبد الله كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار .
أخبرني عبد المنعم بن عبد الله بن محمد ، أخبرنا أبو بكر عبد الغفار بن محمد بن الحسين ، أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا أخبرنا الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن رجلين : أحدهما الزهري ، جعفر بن عمرو بن أمية الضمري ، عن أبيه : . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف شاة ، ثم صلى ولم يتوضأ
هذا حديث صحيح ثابت متفق عليه ، أخرجاه في الصحيح من حديث إبراهيم بن سعد ، عن . محمد بن مسلم الزهري
[ ص: 159 ] أخبرني من أصله العتيق ، أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي أبو الحسين أحمد بن عبد القادر بن محمد ، أخبرنا أبو عمرو عثمان بن محمد ، أخبرنا أبو بكر الشافعي ، أخبرنا حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي ، عن القعنبي ، مالك ، عن عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، : عبد الله بن عباس . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف شاة ، ثم صلى ولم يتوضأ
هذا حديث حسن متفق عليه ، أخرجه في الصحيح ، عن البخاري عبد الله بن يوسف ، عن مالك ، وأخرجه مسلم عن وفيما روى القعنبي ، عن الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني يقال : وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الوضوء مما مست النار ، وإنما قلنا : لا يتوضأ منه ؛ لأنه عندنا منسوخ ، ألا ترى أن الشافعي إنما صحبه بعد الفتح يروى عنه : أنه رآه يأكل من كتف شاة ، ثم صلى ولم يتوضأ ، وهذا عندنا من أبين الدلالات على أن الوضوء منه منسوخ ، أو أن أمره بالوضوء منه بالغسل والتنظيف ، والثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يتوضأ منه ، ثم عن عبد الله بن عباس أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عباس ، وعامر بن ربيعة ، وأبي بن كعب ، وأبي طلحة ، كل هؤلاء لم يتوضئوا منه .
وذكر أيضا في رواية الشافعي حرملة فقال : حديث أدل الأحاديث على أن ابن عباس منسوخ ، وذلك أن صحبة الوضوء مما مست النار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - متأخرة ، إنما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربع عشرة سنة ، قد قيل : ست عشرة سنة ، وقيل : ثلاث عشرة سنة . ابن عباس
[ ص: 160 ] أخبرنا أخبرنا أبو العلاء الحافظ ، أبو الفضل جعفر بن عبد الواحد بن محمد ، أخبرنا أخبرنا محمد بن عبد الله الضبي ، حدثنا سليمان بن أحمد ، عباس بن الفضل الأسفاطي ، حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ، حدثنا قريش بن حيان ، عن يونس بن أبي خلدة ، عن محمد بن مسلمة : . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل آخر أمره لحما ، ثم صلى ولم يتوضأ
ويمكن أن يقال : إن الوضوء مما مست النار اختلف فيه ، وتكافأت الروايات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك في الصحة والشهرة ، وتكلمت الأئمة في الأول منه والآخر ، والناسخ والمنسوخ ، فأكثرهم رواه منسوخا ، كما ذكرنا من حديث جابر ومحمد بن مسلمة الأنصاريين ، وذهب بعضهم إلى أن المنسوخ هو ترك الوضوء مما مست النار ، والناسخ الأمر بالوضوء منه . وابن عباس ،
وإليه ذهب وجماعة ، وتمسكوا في ذلك بأحاديث منها ما أخبرنا الزهري أبو طاهر روح بن بدر بن ثابت ، قراءة عليه وأنا أسمع ، أخبرنا أخبرنا أبو منصور محمود بن إسماعيل بن محمد ، أحمد بن محمد بن الحسين ، أخبرنا أبو القاسم اللخمي ، حدثنا مطلب بن شعيب الأزدي ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني زيد بن جبيرة بن محمود بن جبيرة الأنصاري من بني عبد الأشهل ، عن أبيه جبيرة بن محمود ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنهما دخلا وليمة على وضوء فأكلوا ، ثم خرجوا ، فتوضأ سلمة بن سلامة بن وقش سلمة فقال له جبيرة : ألم تكن على وضوء ؟ [ ص: 161 ] قال : بلى ؛ ولكني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرجنا من دعوة دعونا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على وضوء ، فأكل ثم توضأ ، فقلت له : ألم تكن على وضوء يا رسول الله ؟ قال : بلى ؛ ولكن الأمر يحدث ، وهذا مما حدث . عن
وقرأت على محمد بن أبي الأزهر القاضي ، أخبرك في كتابه ، أخبرنا أحمد بن الحسن الكرجي أخبرنا أبو علي بن شاذان ، دعلج ، أخبرنا محمد بن علي ، حدثنا سعيد ، حدثنا قال : سألنا فليح بن سليمان عما مست النار ؟ قال : فأخبرنا في ذلك بأحاديث أمر فيها بالوضوء عن الزهري أبي هريرة ، عن وعمر بن عبد العزيز ، وعن خارجة بن زيد ، سعيد بن خالد ، وعن عبد الملك بن أبي بكر ، فقلت له : إن ههنا رجلا من قريش يقال له : عبد الله بن محمد ، يحدث عن : جابر بن عبد الله في نفر من أصحابه ، فيهم سعد بن الربيع فأكلنا خبزا ولحما ، ثم صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلينا معه ، وما مس أحد منا وضوءا جابر بن عبد الله ، ، وانصرفت مع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى أهل أبي بكر في ولايته من المغرب ، فابتغى عشاء ، فقيل له : ليس ههنا إلا هذه الشاة وقد ولدت ، فحلبها وطبخ لنا لباء ، فأكل وأكلنا معه ، ثم خرج إلى المسجد فصلى بنا ، وما مس ماء ولا مسست .
[ ص: 162 ] وكان ربما جفن لنا في ولايته ، فأكلنا الخبز واللحم ، فيخرج فيصلي ونصلي معه ، وما يمس أحدنا وضوءا . عمر بن الخطاب
فقال : وأنا أحدثكم أيضا - إن كنتم تريدونه - حدثني الزهري جعفر بن عمر بن أمية الضمري ، عن أبيه أنه عمرو بن أمية ، رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل عضوا فصلى ولم يتوضأ ، فقلنا له : فما بعد هذا ؟ فقال : إنه يكون أمر ، ويكون بعده الأمر .
دلنا ما ذكرناه على أن الأمر بالوضوء كان بعد الرخصة ، فحديث يدل على الأمر بالوضوء ، وحديث أبي هريرة ومن تابعه يدل على الرخصة ، وحديث ابن عباس بعد حديث ابن عباس على ما بينه أبي هريرة . الشافعي
ثم نظرنا هل نجد حديثا يدل على الرخصة ، وهو قبل حديث أبي هريرة ؟ فوجدنا حديثا يدل عليه وهو ما أخبرناه أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر ، أبو بكر أحمد بن علي الفارسي في كتابه ، أخبرنا أخبرنا الحاكم أبو عبد الله ، حدثنا أحمد بن محمد بن عبدوس ، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي ، حدثنا يحيى بن بكير ، مالك ، عن عن يحيى بن سعيد ، مولى بشير بن يسار بني حارثة ، أن سويد بن النعمان أخبره أنه بالصهباء - وهي وادي خيبر - فنزل للعصر ، ثم دعا بالأذواد فلم يؤت إلا بالسويق ، فأمر به فثري فأكل ، ثم صلى ولم يتوضأ . خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر حتى إذا كانوا
[ ص: 163 ] قال يحيى : ثري : بل بالماء .
هذا حديث صحيح أخرجه في الصحيح ، عن البخاري عبد الله بن يوسف ، عن والقعنبي مالك .
ألا ترى أن حديث سويد بن النعمان هذا كان قبل فتح خيبر ، وإنما قدم بعد فتح أبو هريرة خيبر على ما صرحت به التواريخ ، فهذا يدلك على أن الرخصة كانت غير مرة ، وهو طريق . الجمع بين الأخبار في تصحيحها
[ ص: 164 ] ذكر خبر آخر يدل على أن الرخصة كانت غير مرة
قرأت على محمد بن أبي الأزهر بواسط العراق ، أخبرك أبو طاهر القارئ في كتابه ، أخبرنا الحسن بن أحمد ، أخبرنا دعلج ، أخبرنا محمد بن علي ، حدثنا سعيد ، حدثنا عبد الله بن إياد بن لقيط ، عن أبيه ، عن سويد بن سرحان ، عن ، المغيرة بن شعبة فقال : يا رسول الله ، إن عمر بن الخطاب قد شق عليه انتهارك إياه ، خشي أن يكون في نفسك عليه شيء . فقال : ليس في نفسي عليه شيء إلا خير ، لكنه أتاني بماء لأتوضأ ، وإنما أكلت طعاما ، ولو فعلت ذلك فعل الناس ذلك من بعدي المغيرة بن شعبة . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل طعاما وأقيمت الصلاة فقام ، وقد كان يتوضأ قبل ذلك ، فأتيته بماء ليتوضأ ، فانتهرني وقال لي : وراءك فساءني ذلك ، ثم صلى ، فشكوت ذلك إلى
هذا حديث يروى عن سويد من غير وجه ، فمنهم من يقول فيه : كان يتوضأ قبل ذلك ، ومنهم من يقول : كان توضأ قبل ذلك .
وقال : لما رأينا هذه الأحاديث قد اختلف فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واختلف من ذكرناهم في الأول والآخر ولم نقف على الناسخ منهما ، فنظرنا إلى ما اجتمع عليه الخلفاء الراشدون والأعلام من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذنا بإجماعهم في الرخصة فيه . عثمان بن سعيد الدارمي
وقد ذهب بعض من رام الجمع بين هذه الأحاديث إلى أن الأمر بالوضوء منه محمول على الغسل للتنظيف كما أشار إليه الشافعي ، وأعلام [ ص: 165 ] الصحابة على ترك الوضوء منه ، كما قال ورجح أخبار ترك الوضوء مما مست النار بما روي من اجتماع الخلفاء الراشدين الدارمي ، غير أن أكثر الناس يطلقون القول بأن الوضوء مما مست النار منسوخ ، ثم اجتماع الخلفاء الراشدين ، وإجماع أئمة الأمصار بعدهم ، يدل على صحة النسخ ، والله أعلم .