قال صاحب المقدمات : حكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا على عمله في باطن الأمر وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) : يحلل ويحرم في العقود والفسوخ . وابن حنبل
[ ص: 147 ] فمن حلت له ، وصارت زوجته . أو ادعى نكاح امرأة وهو يعلم أنه كاذب وأقام شاهدي زور وحكم الحاكم بهما حل لها أن تتزوج وحلت لأحد الشاهدين مع علمه بكذبها نقله أصحابه واتفق الناس في الديون وما ليس فيه عقد ولا فسخ ، وجعل ( ح ) حكم الحاكم يقوم مقام العقد والفسخ فتحل بالعقد وتحرم بالفسخ على حسب ما يناسب ذلك الحكم ، ووافقنا أيضا إذا قضى بنكاح أخت المقضي له أو ذات محرم أنها لا تحل له ؛ لأن المقضي لو تزوجها لم تحل له ; لفوات قبول المحل ، وكذلك قال إذا تبين أن الشهود عبيد ، والحكم في عقد نكاح ، وفرق بأن الشهادة شرط ، ولم يوجد ، وفي الأموال بأن الحاكم لم يحكم بالملك بل بالتسليم ، وهو لا يوجب الملك ، لنا : قوله _ صلى الله عليه وسلم _ في الصحاح : ( استأجرت امرأة شاهدي زور شهدا بطلاقها ) وهو عام في جميع الحقوق وقياسا على الأموال بطريق الأولى ، فإن الأموال أضعف ، فإن لم يؤثر فيها فأولى الفروج ، احتجوا بقصة إنما أنا بشر ، وأنكم تختصمون إلى ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه ، فإنما أقتطع له قطعة من النار هلال بن أمية في الصحيح : ( لشريك ) ، فجاءت به على تلك الصفة ، وتبين الأمر على ما قال أن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ حين فرق بينه وبين إمرأته باللعان ، قال إن جاءت به على صفة كيت فهو هلال ، وأن الفرقة لم تكن واجبة ومع هذا لم يفسخ تلك الفرقة وأمضاها ، قال علي : إن حكم الحاكم يقوم مقام الفسخ والعقد وعن علي _ رضي الله عنه _ أنه ادعى عنده رجل نكاح امرأة وشهد له شاهدان فقضى بينهما بالزوجية ، فقالت : والله يا أمير المؤمنين ما تزوجني ، فاعقد بيننا عقدا حتى يحل لي ، فقال : شاهداك زوجاك ، فدل [ ص: 148 ] أن النكاح يثبت بحكمه ؛ لأن اللعان يفسخ به النكاح ، وإن كان أحدهما كاذبا والحكم أولى ، لأن للحاكم ولاية عامة على الناس في العقود بدليل نفوذ تصرفه بالعقود ، فدل بذلك على أنه متى أوقع العقد على وجه لو فعله مالك نفذ ينفذ منه ؛ ولأن المحكوم عليه لا تجوز له المخالفة ويجب عليه التسلم فصار حكم الله في حقه ما حكم به الحاكم ، وإن علم خلافه فكذلك غيره قياسا . الجواب عن الأول : بأن الفرقة في اللعان ليست بسبب صدق الزوج أو نفيه فلو قامت البينة بصدقه لم تعد إليه ، وإنما كانت بكونهما وصلا إلى أسوأ حال في المعايشة بلا تلاعن فلم ير الشرع اجتماعها بعد ذلك ؛ لأن الزوجية مبناها السكون والمودة ، وما تقدم من التلاعن يصم لك فعلم رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ بالكذب كقيام البينة وعن الثاني : أن [ . . . ] لا حجة فيه ؛ لأنه _ رضي الله عنه _ أضاف التزويج للشاهد لا للحكم ، ومنعها من العقد لما فيه من الطعن على الشهود ، فأخبرها بأنها زوجة ظاهرا ولم يتعرض للفتيا ، وما النزاع إلا فيها . وعن الثالث : إن كذب أحدهما لم يتعين اللعان ولم يختص به ، أما عدم تعينه ؛ فلأنه قد يكون مستنده في اللعان كونه لم يطأها بعد حيضها مع أن الحامل قد تحيض أو قرائن حالته مثل كونه رأى رجلا بين فخذيها وقد لا يكون الرجل أولج ، أو أولج وما أنزل ، والقرائن قد تكذب ، وأما عدم اختصاصه باللعان ؛ فلأن المتداعيين في النكاح أو غيره قد يكون أحدهما كاذبا فاجرا يطلب ما يعلم خلافه ، ولا نسلم أن الحكم أولى لما بينا أن التلاعن يمنع الزوجية لما اشتمل عليه من المفاسد المنفية في الحكم .
[ ص: 149 ] وعن الرابع : أن صاحب الشرع إنما يجعل الحاكم وكيلا للغائب والوصي والمجنون لضرورة عجزهم عن المباشرة ولا ضرورة هاهنا ، والأصل أن يلي كل أحد مصالح نفسه ، فلا يترك الأصل عند عدم المعارض لأجل تركه عند المعارض .
وعن الخامس : أن المحكوم عليه إنما حرمت عليه المخالفة لما فيها من مفسدة مشاقة الحاكم ، وانخرام النظام وتشويش نفوذ المصالح ، وأما أن لا يأخذ بالمخالفة من حيث لا يطلع عليه أحد ليس فيها شيء من ذلك .
فوائد : قال صاحب المنتقى : قوله _ صلى الله عليه وسلم _ : ، معناه أعلم بمواقع الحجج ، قال لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته أبو عبيد : اللحن بفتح الحاء الفطنة ، وبإسكانها الخطأ في القول ، وقوله _ صلى الله عليه وسلم _ : ، كقوله تعالى : ( أقتطع له قطعة من النار إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ) من باب وصف السبب بوصف المسبب لأن المأخوذ سبب النار .
كقول الشاعر :
يا أيها الراكب المزجى مطيته سائل بني أسد ما هذه الصوت وقل لهم : بادروا بالعذر والتمسوا
وجها ينجيكم إني أنا الموت