الفصل الرابع : فيما يؤذن له
وهو الصلوات المفروضة على الأعيان المؤداة في مساجد الجماعات والأئمة حيث كانوا ، فالمفروضة : احتراز من النوافل ; لعدم التوقيت فيها ، وأما صلاة العيدين فتوفر الدواعي عليها مغن عن الإعلام ، ، وعلى الأعيان : احتراز من صلاة الجنازة ; لعدم تعين وقتها حتى يعلم به بل سنتها وجود الميت لا الوقت والأذان ، إنما هو إعلام بالأوقات . وقولنا المؤادة احتراز من الفوائت ففي الكتاب : ولا ينادى لها : الصلاة جامعة ، وعند من نسي صلوات كثيرة تجزيه الإقامة لكل صلاة بلا أذان أبي حنيفة يؤذن لها ، وتردد . وقد اختلفت الرواية في الشافعي صلاته - عليه السلام - يوم الوادي لما ناموا عن صلاة الصبح حتى [ ص: 69 ] طلعت الشمس هل أذن لها أم لا ؟ ففي الموطأ : أمر بالإقامة فصلى بهم ، ولم يذكر أذانا ، وفي أبي داود : ذكر الأذان وهو منسوخ بقوله - عليه السلام - بعد صلاته بهم : ; فإن الله تعالى يقول : " أقم الصلاة لذكري " . وهو يقتضي عدم الاشتغال بغيرها ، والأذان شغل عنها . وقولنا في جماعات المساجد : احتراز من الواحد إذا صلى وحده في المسجد فإنه يكتفي بالإقامة . وروي عن من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها أنه يؤذن سرا . وقولنا والأئمة حيث كانوا ففي الكتاب : إذا الشافعي . قال صاحب الطراز : قيل هو إمام الجامع المجمعة ; لأنه الذي جعل له صلاة الجنازة فيتوقى أمره ليجتمع له الناس ، وكذلك كل إمام مشهور يؤذن له ليجتمعوا . خرج إمام المصر في الجنازة فتحضره الصلاة يؤذن لها ويقام
فروع أربعة :
الأول : قال في الكتاب : ، ووافقه لا ينادى لصلاة قبل وقتها إلا الصبح وخالفنا الشافعي أبو حنيفة وسوى بين سائر الصلوات لما في أنه - عليه السلام - قال : البخاري بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ; [ ص: 70 ] فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر قال إن ابن القاسم : ولم يكن بين أذانيهما إلا أن يرقى ذا ، وينزل ذا ، وفي بعض طرقه وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له : أصبحت أصبحت . وإجماع أهل المدينة على ذلك ينقله الخلف عن السلف نقلا متواترا ، ولما أطلع أبو يوسف على ذلك رجع عن مذهب أبي حنيفة وهي تأتي في وقت نوم وحاجة إلى الاغتسال ; لكثرة الاجتماع بالنساء ليلا ، وفي الناس البطيء والسريع ، والفضيلة في التغليس فيتعين الأذان قبل الفجر احتج أبو حنيفة بما في أبي داود أنه - عليه السلام - : لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر ومد يديه عرضا لبلال ، ولأن الأذان قبل الوقت كذب فيحرم . قال
وجواب الأول : أن الحديث طعن فيه أبو داود وغيره ، ولو سلمنا صحته فيحمل الأذان على الإقامة لما بينهما من المشابهة ، ولأنها إعلام في نفسها والإعلام هو الأذان جمعا بينه وبين الأحاديث الصحيحة ، وعن الثاني أنه إعلام بوقت التأهب للصلاة ، لا بوقت فعلها فليس كذبا .
فرع :
إذا قلنا بتقديم أذانها على وقتها قال صاحب الطراز : الأحسن أن يكون آخر الليل غير محدود ، وإليه أشار مالك في الموطأ محتجا بقوله عليه السلام : بلال . والسحور آخر الليل ، وقال لا يمنعكم من سحوركم أذان ابن [ ص: 71 ] وهب سدس الليل الأخير ، وقال ابن حبيب : من حين نصف الليل ، ونقل خروج وقت العشاء المازري يؤذن لهما بعد العشاء وإن صليت أول الليل لقوله عليه السلام : بلالا يؤذن بليل من غير تحديد ، ولأنها عبادة متعلقة بالفجر فجاز تقديم ما يتعلق بها كالنية مع الصوم . إن
وجوابه أن الأذان حينئذ إعلام بالتأهب للنوم ، لا للصلاة ، فهو على خلاف حكمة الأذان فلا يشرع .
الثاني : أنكر في الكتاب تقديم خلافا أذان الجمعة على الزوال لابن حبيب ; فإنه جوز أذانها قبل الزوال ، وهو فاسد ; لأنها إن كانت ظهرا فحكمها حكم الظهر ، وإن كانت بدلا والبدل يتبع المبدل .
الثالث : في الجواهر ، وهو في الكتاب والأولى فقط عند إذا جمع الإمام بين الصلاتين يؤذن لكل واحدة منهما ، ولا يؤذن مطلقا حكاه صاحب الجلاب ويقيم لكل صلاة ، قال ابن الماجشون المازري : وهذه المقالات محكية في جمعه عليه السلام ، وفي المدونة وأما غير الإمام فتجزئهم إقامتان للمغرب والعشاء ، وعن أبي حنيفة تكفي إقامة الأولى .
حجة المذهب : أن الأذان للصلاة في حق الأئمة من شعائرها ، فلا يترك مع إمكانه ، ولا يمنع منه توفر الجمع للثانية كما لا يمنعه للأولى ، وقياسا على الإقامة .
[ ص: 72 ] حجة الثاني : ما في مسلم جابر لما وصف حجة النبي - عليه السلام - على الاستقصاء فقال في الجمع بعرفة ، ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ، وقال فيه حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا . عن
حجة الثالث : ما في مسلم بمزدلفة فلم يذكر أذانا ، وذكر الإقامة لكل صلاة ، ولأن الأذان إعلام للغائب والجمع إنما هو لمن حضر . أنه عليه السلام جمع
حجة الرابع : ما في الموطأ أنه عليه السلام بالمزدلفة ، وصلى العشاء ركعتين بإقامة واحدة وهو يحتمل بإقامة واحدة لكل صلاة ، ولأن الجمع يوجب تعلق إحدى الصلاتين بالأخرى فكأن الإقامة الأولى وقعت لهما جميعا . صلى المغرب ثلاث ركعات
الرابع : قال ابن القاسم في العتبية في قوم بنوا مسجدا فتنازعوا فيه فاقتسموه بجدار ليس لهم قسمته . قال أشهب : فإن فعلوا لم يجزهم مؤذن واحد ، وكذلك مسجدان متلاصقان أو مسجد فوق مسجد ; لأن الأذان من شعائر المساجد .