وفقنا فقلنا إيه سلم فسلمت فما كان إلا ومؤها بالحواجب
[ ص: 199 ] فعلى الأول يكون دعاء للمصلين بكفاية الشرور ، وعلى الثاني أمان من المسلم للمسلم عليه في الصلاة ، وفي غيرها ، وعلى الثالث يحتمل المعنيين ، والرابع معناه : الله عليكم حفيظ أو راض أو مقبل ، والخامس غير مراد في الصلوات ولا في التحيات ، والسادس دعاء بالسلامة من عيوب الذنوب ، وكلها يصلح أن يريدها المصلي والمسلم إلا الخامس ، فإن جوزنا استعمال اللفظ المشترك في جميع مفهوماته وهو مذهبنا ، ومذهب كما تقدم في المقدمة جوزنا للمصلي أن يريد جميعها وهو أكمل في جدواها ، وإن قلنا بالمنع فينبغي للمصلي أن يريد أتمها معنى ، والأصل في وجوبها ما في الشافعي أبي داود من قوله عليه السلام : . والمبتدأ يجب انحصاره في الخبر كما تقدم في المقدمة فيكون تحليلها منحصرا في مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم ، فلو اعتمد غيره لكان باقيا في الصلاة مدخلا فيها ما ليس منها وهو حرام ، وترك الحرام واجب فيجب التسليم . التسليم
وفي الركن فروع ستة :
الأول : قال في الكتاب : يسلمها الإمام والمنفرد : الرجال والنساء مرة تلقاء الوجه ويتيامن قليلا . قال صاحب الطراز : وفي الواضحة لا يجزئ إلا السلام عليكم ، وكان يفعل ذلك في [ ص: 200 ] خاصة نفسه ، وخرج يسلم المنفرد اثنتين عن يمينه وعلى يساره الباجي عليه الإمام ، ولا يقل للنساء : السلام عليكن ; لوضع هذا اللفظ وضعا عاما ، ويقع التحليل به معرفا بغير خلاف ، وجوز ( ش ) المنكر وتردد في عليكم السلام ، وقال ( ح ) : لفظه : السلام عليكم ورحمة الله مرتين عن اليمين واليسار منفردا كان أو غيره ، وفي الجواهر جواز التنكير عن أبي القاسم بن شبلون ، وجوز أبو حنيفة سائر الكلام حتى لو أحدث قاصدا للخروج أجزأه ، وحكى المازري عن ابن القاسم إن أحدث آخر صلاته في التشهد صلاته صحيحة ، قال الباجي : وهذا يعرف من مذهب الحنفية ، قال المازري : وليس كذلك ; لأنهم لا يجوزون الخروج بالحدث من غير قصد ، وابن القاسم لم يشترط القصد . لنا ما تقدم من الحديث وأنه تعبد فيقتصر به على تسليمه - عليه السلام - والسلف من بعده ، وإلا لجاز ، وهو لا يجوز عند ( ش ) ، وفي سلام الله عليكم وغيره من ألفاظ التحية الترمذي ، قال أنه - عليه السلام - كان يسلم من الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه مالك : وما أدركنا الأئمة إلا على تسليمة ، ، قال : كنت أراه - عليه السلام - يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده سعد بن أبي وقاص . والأول أرجح للعمل منه - عليه السلام - والخلفاء الأربعة بعده وأهل وروى المدينة بعدهم ، والقياس على تكبيرة الإحرام تسوية بين الدخول والخروج ، ولأنه لو أحدث بعد الأولى لم تفسد الصلاة إجماعا إلا عند ابن حنبل وهما مسبوقان بالإجماع ، وإذا كان الإمام يسلم اثنتين فقال في العتبية : لا يقوم المسبوق للقضاء حتى يسلمها فإن قام أساء ولم تفسد ، ولما كان السلام سبب [ ص: 201 ] الخروج من الصلاة وهو من الصلاة شرع أوله للقبلة ; لأنه منها ، وآخره لغيرها إشارة للانصراف قال صاحب النوادر : التيامن ليس شرطا فلو والحسن بن حي لم تبطل ; لقوله عليه السلام : تياسر ، ثم تيامن من غير شرط . وقال وتحليلها التسليم : تبطل ; لأنه غير السلام المعهود منه - عليه السلام - احتج الحنفية بما يروى عنه - عليه السلام - أنه قال : ابن شعبان ، ولأنه لا يجب متابعة الإمام فيه بدليل قيام المسبوق ولم يسلم ، ولأن الأكل لما نافى الصوم خرج منه بالليل ، وإن لم يقع الأكل ، والجواب عن الأول أنه غير صحيح ، وعن الثاني أن عدم المتابعة كان لقيام المعارض وهو بقاء ما يجب تقديمه قبل السلام ، وعن الثالث أن التسليم آخر جزء من الصلاة فهو كآخر جزء من الصوم وليس كالليل ولأنا نمنع مضادة السلام للصلاة ; لأن الجزء لا ينافي الكل ومما يوضح مذهبنا : أن الصلاة صلة بين العبد وربه ومواطن الإجلال والتعظيم والأدب والموانسة في حضرة الربوبية حتى أمر العبد فيها بالانقطاع عن سائر الجهات والحركات إلا جهة واحدة وهيئة واحدة بجمع شمله على أدب المناجاة ، وإذا كانت على هذه الصفات لا يليق ختمها بالحدث الذي هو أفحش القاذورات . إذا رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة وقعد ، ثم أحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته
الثاني في الجواهر : اختلف المتأخرون في على قولين ، قال صاحب الإشراف : إذا سلم بغير نية التحليل لا يجزيه خلافا لبعض الشفعوية ، ووافقه صاحب الطراز ، واستدل بأن تكبيرة الإحرام تفتقر إلى نية التحريم ; لتميزها عن غيرها ، [ ص: 202 ] وكذلك انسحاب حكم النية على السلام أو اشتراط تجديد نية الخروج ; لتميزه عن جنسه ، وقد تقدم في الطهارة أن النية ; لتمييز العبادات عن العادات أو لتمييز مراتب العبادات في أنفسها . يشترط في التسليم نية التحليل
الثالث : قال في الكتاب : يسلم المأموم عن يمينه ، ثم على الإمام لما في أبي داود : أمرنا - عليه السلام - ثم ذكر التشهد ، وقال : . وفي الجواهر في ثم سلموا على اليمين ، ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم ثلاث روايات : ففي الكتاب كان يقول يبدأ بمن على يساره ، ثم الإمام ، ثم رجع يقول يبدأ بالإمام ، ثم يساره ، وروى رد المأموم التخيير ، وجه البداية باليسار أن جواب التحية على الفور وقد حال بين سلام الإمام والمأموم سلام التحلل بخلاف من على اليسار ، ولأن القاضي عبد الوهاب كان يفعل ذلك ، وجه المشهور أن الإمام هو السابق بالتحية فيبدأ به ، ولأنه فعل ابن المسيب - رضي الله عنهما - وجه التخيير تقابل الأدلة ، وفي الجواهر يرد على الإمام فقط ، قال صاحب الطراز : هل يرد على الإمام ومن على يساره بتسليمة واحدة ؟ وقيل يرد قياسا على جملة المأمومين ; فإنه لا يحتاج إلى كل واحد تسليمة ، وقيل : لا يجمع تشريفا للإمام ، ولأن تسليم الإمام في زمان آخر فكان الرد عليه بلفظ آخر ، وهل يشترط في الرد على اليسار التأخير حتى يسلم [ ص: 203 ] من على يسار ؟ وليس فيه نص ، والظاهر أنه ليس بشرط ; لأنه وإن تأخر فهو في حكم الواقع ، قال : وإذا لم يكن على يساره أحد ، فالمشهور : لا يسلم ، وعلى قوله إن المنفرد يسلم اثنتين ؟ يسلم فإذا فرعنا على المشهور فكان من على يساره مسبوقا فيحتمل أن يقال : لا يرده ; لأن سلامه متأخر جدا ، ويحتمل أن يقال : هو في حكم الواقع ، ولأن رد المأموم سنة مقدرة على من على يساره بدليل أنه يرد على من لم يقصد السلام عليه ، قال : وظاهر كلام الكتاب أنه يتيامن في جملة تسليمه بخلاف الإمام ; لأن سلام المأموم مختص بمن على يمينه ، ولهذا لا يرد عليه إلا من على يمينه ، وسلام الإمام ليس مختصا بجهة ولهذا يرد عليه جملة المأمومين يمينا وشمالا وخلفا وأماما ، وقال ( ش ) : ينوي الفذ بالسلام الخروج والتسليم على الحفظة ، وينوي بالتسليم الثاني الخروج فقط ، وينوي الإمام الخروج والتسليم على الحفظة والمأمومين ، وينوي بالثاني الحفظة والخروج ، وينوي المأموم بالأول التحليل والحفظة ومن على يمينه من المأمومين والإمام إن كان على يمينه ، وبالثاني الخروج والحفظة والإمام إن كان على يساره فإن كان أمامه فهو مخير ، قال صاحب الطراز : وعندنا لا يرد على الإمام بتسليمة التحليل ; لأنه يصير بمنزلة المتكلم في الصلاة وإذا رد على الإمام فهل يشترط حضوره فلا يرد المسبوق ؟ الذي رجع إليه ابن عمر مالك وأخذ به ابن القاسم الرد ، نظرا إلى أنه من سنة الصلاة ، والقول الأول مبني على أنه شرع على الفور وقد تراخى ، وهذا فيمن أدرك ركعة فأكثر فإن لم يدرك إلا التشهد ، قال : لا يرد ; لأنه ليس إماما له في صلاته ، ولهذا لا [ ص: 204 ] يسجد معه في سهوه . فلو سلم على الإمام قبل تسليم التحلل ، سجد بعد السلام ، وجوز في الكتاب سحنون ورجح الأول ، وجوز الرد بالسلام عليكم ، وبعليكم السلام أشهب في العتبية سلام عليكم ; لأنه ليس من نفس الصلاة وإنما هو رد تحية ، ولما كان متعلقا بالصلاة من حيث الجملة ترجح أن يكون من جنس سلام الصلاة ، واستحب في الكتاب أن لا يجهر بتسليمة اليسار مثل تسليمة اليمين ; لأنها لا يطلب لها جواب فكانت كأذكار الصلاة ، والأولى كتكبيرة الإمام يطلب لها الجواب فيجهر بها .
الرابع : قال في الكتاب : يجهر الإمام ومن خلفه بالسجود بالسلام من السجود للسهو بعد السلام ، قال صاحب المعونة : فيه روايتان : التسوية بينه وبين الأول ، والإخفاء كصلاة الجنازة ; لاشتراكهما في عدم الركوع .
الخامس : قال في الواضحة : لا يمد سلامه وليحذفه ، وفي أبي داود أنه - عليه السلام - كان يفعل ذلك ، ولأن إلا أنه لا يبالغ في الحذف لئلا يسقط الألف . الإمام إذا طول سلامه سلم المأموم قبل سلامه
السادس : قال في الكتاب : إذا سلم إمام مسجد القبائل فلا يقعد في مصلاه ، بخلاف إمام السفر ونحوه لما روى في الكتاب أنها السنة ، وأن سحنون قال : الجلوس على الحجارة المحماة خير من ذلك . وفي [ ص: 205 ] ابن مسعود : البخاري فكانوا يرون ذلك كما ينفر النساء قبل الرجال . واختلف في تعليله فقيل : لئلا يغتربه الداخل فيحرم معه ، وقيل : لئلا يشك هل سلم أم لا أو يشك من خلفه . كان - عليه السلام - إذا سلم مكث قليلا