قال في الجواهر : الجنازة بكسر الجيم الميت على السرير ، وإذا لم يكن عليه ميت فهو سرير ونعش ، والعامة بفتح الجيم ، قال عياض : الفتح والكسر معا للميت وقيل : للميت بالفتح ، والسرير بالكسر ، فالحركة العليا للأعلى والسفلى للأسفل ، وفي الكتاب ستة فصول ، وأنا ذاكرها على الترتيب من الاحتضار إلى التعزية .
الفصل الأول : في الاحتضار .
قال سند : يستحب حينئذ حسن الظن بالله ; لقوله - عليه السلام - في أبي داود : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله " ، ويستعين على [ ص: 445 ] ذلك بالتفكير في سعة رحمة الله ، ويجتهد في الدعاء ; لقوله - عليه السلام - في الموطأ عند موته : " " ، وفي رواية : الرفيق الأعلى - يعني أعلى مرتفق الجنة . ولا يتمنى الموت ; لقوله - عليه السلام - في الصحيحين : " اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق ، ولكن يقول : اللهم أحيني ما دامت الحياة خيرا لي ، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به " . وروى ابن القاسم عن مالك ; لأنها أفضل الجهات ، وقاله الجمهور ، وروى التوجه إلى القبلة ابن القاسم عنه كراهته ; لأنه - عليه السلام - لم يوجبه ، وحضر احتضاره جماعة ولم يأمر به ، وأنكر على من فعل به ذلك في مرضه ، وعلى الأول يكون على شقه الأيمن إن أمكن ، وإلا فعلى ظهره ورجلاه إلى القبلة ، وفي الجواهر : قال ابن المسيب ابن حبيب : ولا يفعل أهله ذلك حتى يتيقن الموت بإشخاص بصره ، قال سند : وكره مالك القراءة عنده ، وقال ابن حبيب : لا بأس بقراءة ( يس ) لقوله - عليه السلام - في أبي داود : " " . اقرأوا ( يس ) على موتاكم ; لقوله - عليه السلام - في مسلم : " ويلقن عند الموت : لا إله إلا الله " ، وإذا قضى من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ; لما في مسلم : أنه - عليه السلام - أول ما يبدأ بتغميضه أبي مسلمة وقد شق بصره فأغمضه . قال دخل على ابن حبيب : : بسم الله [ ص: 446 ] وعلى وفاة رسول الله ; اللهم يسر عليه أمره ، وسهل عليه موته ، وأسعده بلقائك ، واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه . ولا يجلس عنده إلا أحسن أهله قولا وفعلا ، ويتجنبه الجنب والحائض ; لأجل الملائكة ، ثم يشد لحيه الأسفل بعصابة ، ويربط فوق رأسه لئلا يدخل الهوام إلى فمه . قال ويقال عند تغميضه ابن حبيب : وأبيح في الوحدة والاجتماع ، وفي البكاء قبل الموت وبعده بغير صوت : البخاري فأتاه - عليه السلام - يعوده ، فلما دخل عليه وجده في غاشيته ، فقال : " قد قضى ؟ " ، قالوا : لا يا رسول الله ، فبكاه النبي - عليه السلام - فلما رأى القوم بكاءه بكوا ، فقال : ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين وحزن القلب ، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه سعد بن عبادة " قاله اشتكى ابن حبيب . ; لأنه استغاثة على الله تعالى ، وإظهار أنه جار وفعل غير ما ينبغي ، غير أنه قد رثى والنوح ممنوع في سائر الأحوال أخاه عاصما بقوله : ابن عمر
فإن تك أحزان وفائض دمعة جرين وما من داخل الجوف منفعا تجرعتها في عاصم واحتسيتها
فأعظم منها ما احتسى وتجرعا فليت المنايا كن خلفن عاصما
فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا دفعنا بك الأيام حتى إذا أتت
تريدك لم نسطع لها عنك مدفعا
وهذا يدل على إباحة مثله من المراثي ، وأما ما فيه التشنيع على الله تعالى فلا ، وفي أبي داود : " " ، قال لعن الله النائحة والمستمعة سند : هي ، وإلا فالمرة مكروهة ; لما في التي تتخذ النوح صنعة : أنه - عليه السلام - البخاري جعفر لم [ ص: 447 ] يسكتهن . وفيه عن ترك نساء جابر : - وساق الحديث إلى أن قال : جيء بأبي يوم أحد وقد مثل به ابنة عمرو ، فقال : فلتبك أو لا تبكي فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع " . وفيه عن فسمع صوت صائحة ، فقال : " من هذه ؟ فقالوا : ، قالت : أم عطية . أخذ علينا النبي - عليه السلام - ألا ننوح فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة سمتهن
فائدة : قوله - عليه السلام - : " إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه " - في الموطأ مشكل من جهة أن الإنسان لا يواخذ بفعل غيره ، وجوابه من وجوه : الأول يحمل على أنه أوصى بالنياحة كما قال طرفة :
إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا ابنة معبد
أو أنهم يذكرون في نواحهم مفاخر هي فخار عند الشرع كالغضب والفسوق فيعذب بها ، أو ما قالته عائشة - رضي الله عنها - : لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ ; إنما مر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهودية يبكي عليها أهلها ; فقال - عليه السلام - : " إنكم لتبكون عليها وإنها لتعذب . يغفر الله