الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 67 ] باب البكاء على الميت

                                                                                                                                            قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وأرخص في البكاء بلا ندب ولا نياحة ؛ لما في النوح من تجديد الحزن ومنع الصبر وعظيم الإثم . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " وذكر ذلك ابن عباس لعائشة فقالت : رحم الله عمر ، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله ليعذب الميت ببكاء أهله عليه " ولكن قال " إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه " ( قال ) وقالت عائشة : حسبكم القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وقال ابن عباس عند ذلك : الله أضحك وأبكى ( قال الشافعي ) ما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أشبه بدلالة الكتاب والسنة . قال الله جل وعز ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وقال لتجزى كل نفس بما تسعى ، وقال عليه السلام لرجل في ابنه إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه وما زيد في عذاب الكافر فباستيجابه له لا بذنب غيره ( قال المزني ) : بلغني أنهم كانوا يوصون بالبكاء عليه وبالنياحة أو بهما وهي معصية ، ومن أمر بها فعملت بعده كانت له ذنبا ، فيجوز أن يزاد بذنبه عذابا - كما قال الشافعي - لا بذنب غيره " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهو صحيح .

                                                                                                                                            أما النوح والتعديد ، ولطم الخدود ، والدعاء بالويل والثبور فكل ذلك محظور حرام ؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن النائحة والمستمعة ، ونهى عن الصياح والمأتم . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أنهاكم عن صوتين فاجرين : صوت عند المصيبة ، وصوت عند نغمة " ، قيل : المراد به النياحة عند المصيبة ، والمزمار عند النغمة .

                                                                                                                                            وروت امرأة أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس منا من حلق أو سلق " ، فالحلق هو [ ص: 68 ] حلق الشعر ، والسلق هو أن تنوح بلسانها ، قال الله سبحانه : سلقوكم بألسنة حداد ، [ الأحزاب : 19 ] .

                                                                                                                                            وروى قتيبة في غريب الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من النساء السالقة والحالقة ، والخارقة والممتهشة .

                                                                                                                                            فالسالقة : التي ترفع صوتها بالصراخ عند المصيبة ، والحالقة : التي تحلق شعرها ، والخارقة : التي تخرق ثوبها ، والممتهشة : التي تخمش وجهها فتأخذ لحمه بأظفارها منه ، وقيل نهشة الكلاب ، والممهشة : التي تحلق وجهها بالموسى للتزين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية