الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو نتجت أربعين قبل الحول ثم ماتت الأمهات ثم جاء المصدق وهي أربعون جديا أو بهمة أو بين جدي وبهمة أو كان هذا في إبل فجاء المصدق وهي فصال أو في بقر وهي عجول أخذ من كل صنف من هذا وأخذ من الإبل والغنم أنثى ومن البقر ذكرا ، وإن لم يجد إلا واحدا إن كانت البقر ثلاثين ، وإن كانت أربعين فأنثى ، فإذا كانت العجول إناثا ووجب تبيع قيل : إن شئت فائت بذكر مثل أحدها ، وإن شئت أعطيت منها أنثى وأنت متطوع بالفضل . واحتج الشافعي في أنه لم يبطل عن الصغار الصدقة لأن حكمها حكم الأمهات مع الأمهات فكذلك إذا حال عليها حول الأمهات ، ولا نكلفه كبيرة من قبل أنه لما قيل لي : دع الربي والماخض وذات الدر وفحل الغنم وخذ الجذعة والثنية عقلت أنه قيل لي : دع خيرا مما تأخذ إذا كان عنده خير منه ودونه وخذ العدل [ ص: 120 ] بين الصغير والكبير وما يشبه ربع عشر ماله ، فإذا كانت عنده أربعون تسوي عشرين درهما وكلفته شاة تسوي عشرين درهما فلم آخذ عدلا بل أخذت قيمة ماله كله فلا آخذ صغيرا وعنده كبير ، فإن لم يكن إلا صغير أخذت الصغير كما أخذت الأوسط من التمر ولا آخذ الجعرور ، فإذا لم يكن إلا الجعرور أخذت منه الجعرور ولم ننقص من عدد الكيل ولكن نقصنا من الجودة لما لم نجد الجيد ، كذلك نقصنا من السن إذا لم نجدها ولم ننقص من العدد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورة هذه المسألة : في رجل معه نصاب من الماشية نتجت نصابا ، ثم ماتت الأمهات قبل الحول وبقي النتاج فجاء الساعي فوجدها سخالا ، إن كانت الأمهات غنما ، أو فصالا إن كانت الأمهات إبلا ، أو عجولا إن كانت الأمهات بقرا ، فمذهب الشافعي أنه يبني حول السخال على حول الأمهات ، ويأخذ منها الزكاة ولا يبطل حولها بموت أمهاتها ، وبه قال مالك .

                                                                                                                                            وقال أبو القاسم الأنماطي من أصحابنا : إن بقي من الأمهات نصاب زكيت السخال بحول النصاب الباقي من أمهاتها ، وإن نقصت عن النصاب بطل حكم الحول المار ، ولم تجب في السخال الزكاة إلا بعد استئناف حولها .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن بقي من الأمهات واحدة زكيت السخال بحول أمهاتها ، وإن ماتت جميع الأمهات بطل حكم حولها ولم يستأنف للسخال الحول ، إلا أن تصير ثنايا ، فإذا صارت ثنايا استؤنف حولها حينئذ ، استدلالا برواية جابر الجعفي عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس في السخال صدقة " ، وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليس في راضع لبن شيء " قال : ولأن الصغار إنما ثبت لها حكم الحول تبعا للأمهات ، فإذا سقط حكم المتبوع بموته سقط حكم التابع ، قال : ولأن الفرض قد يتغير بالزيادة والعدد ، وبالزيادة في السن ، ثم كان نقصان العدد عن النصاب يوجب إسقاط الزكاة ، وتغيير الفرض ، وجب أن يكون نقصان السن مؤثرا في إسقاط الزكاة وتغيير الفرض ، وتحرر ذلك قياسا أنه أحد نوعي ما يتغير له الفرض ، فجاز أن يكون لنقصانه تأثير في تغيير الفرض كالعدد .

                                                                                                                                            والدلالة على صحة ما ذهب إليه الشافعي : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لساعيه : " عد عليهم صغيرها وكبيرها " فكان على عمومه ، ولأنه إجماع الصحابة ، روي أن أبا بكر [ ص: 121 ] رضي الله عنه قال في أهل الردة : " والله لو منعوني عناقا مما أدوا إلى رسول الله لقاتلتهم عليه " وبإجماعنا وأبي حنيفة أن العناق لا يؤدى في الزكاة من مال فيه كبار ، فثبت أن ذلك مؤدى من الصغار ، ثم قال هذا بحضرة المهاجرين والأنصار ، فكل رجع إلى قوله فثبت إجماعهم عليه ، ولأن كل جملة ثبت لها حكم الحول لم يكن موت بعضها مع بقاء النصاب موجبا لبطلان الحول .

                                                                                                                                            أصله : موت السخال ، ولأن كل ولد حكم له بحكم الأم لم يبطل حكمه بموت الأم ، أصله ولد الأضحية ، وولد أم الولد ، فأما حديث الشعبي فرواية جابر الجعفي وكان منسوبا إلى القول بالرجعة والتناسخ مع مظاهرته بسبب السلف الصالح ، ثم مع هذا فالحديث مرسل على أنه محمول على أن لا زكاة فيها قبل الحول فرقا بينها وبين الثمار التي لا تفتقر إلى حول ، وإن كانا جميعا نماء .

                                                                                                                                            وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس في راضع لبن شيء " يعني إذا انفردت عن أمهاتها بدليل ما ذكرنا ، وأما قولهم : إنها تبع ، فيقال لهم : هي تبع في الابتداء جارية مجرى الأصل في الانتهاء ، ثم يفسد ذلك عليهم بولد الأضحية ، وولد أم الولد . وأما قياسهم بفضل السن على نقصان العدد فقد رضينا بقياسهم حكما علينا وعليهم ، وذلك أن زيادة السن لا تؤثر في زيادة الفرض ، ألا ترى أنه لو ملك أربعين حقة كما لو ملك أربعين جذعة في استواء فرضهما ، ولا يكون زيادة من الجذاع موجبا لزيادة الفرض فيها ، فلما لم تكن لزيادة السن في زيادة الفرض تأثير وجب أن لا يكون لنقصان السن تأثير في إسقاط الفرض ، والعدد بخلاف هذا ، إنه يؤثر في الزيادة والنقصان . والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية