الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا اشترى نخلا أو زرعا للتجارة أو ورثها زكاها زكاة النخل والزرع ولو كان مكان النخل غراس لا زكاة فيها زكاها زكاة التجارة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا اشترى للتجارة أرضا أو ماشية ، فذلك ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون الماشية غير سائمة والأرض غير مزروعة ، والنخل غير مثمرة فيزكيها زكاة التجارة من قيمتها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن تكون الماشية سائمة والأرض مزروعة والنخل مثمرة فهذا على ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : أن تجب فيه زكاة العين دون زكاة التجارة ، وذلك أن يكون خمسا من الإبل قيمتها دون المائتين ، أو تكون الثمرة والزرع خمسة أوسق قيمتها دون المائتين فهذا يزكيها زكاة العين .

                                                                                                                                            والثاني : أن تجب فيها زكاة التجارة دون العين وذلك بأن يكون أقل من خمسة من الإبل قيمتها مائتان وأقل من خمسة أوسق زرع وثمرة قيمتها مائتان ، فهذا يزكيها زكاة التجارة من قيمتها .

                                                                                                                                            والثالث : أن يجتمع فيها الزكاتان جميعا زكاة التجارة بأن تبلغ قيمتها مائتي درهم وزكاة العين بأن تبلغ خمسة أوسق أو خمسا من الإبل ، فهذا على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تجب الزكاتان في وقت واحد وذلك بأن يشتري خمسا من الإبل بدون المائتين فيحول الحول عليها ، فتجب زكاة التجارة بحلوله وزكاة العين بحلوله ، أو يملك مائتي درهم ستة أشهر ثم يشتري بها نخلا فيثمر ويبدو صلاحه بعد ستة أشهر ، فتجب فيه زكاة التجارة بحلول الحول ، وزكاة العين ببدو الصلاح ، فالواجب فيها إحدى الزكاتين إجماعا : لأن سبب وجوبها واحد لكن اختلف قول الشافعي أي الزكاتين أثبت حكما على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما وهو قوله في القديم : إن زكاة التجارة أثبت وحكمها أغلب فتجب زكاة التجارة ، دون زكاة العين لمعنيين .

                                                                                                                                            أحدهما : أنها أعم من زكاة العين ، وأخص لاستيفائها الأصل والفرع واختصاص زكاة العين بالفرع دون الأصل .

                                                                                                                                            والثاني : أنها أقوى من زكاة العين وآكد لوجوبها في جميع السلع والعروض واختصاص زكاة العين ببعض دون بعض ، والقول الثاني : وهو قوله في الجديد : إن زكاة العين أثبت ، وحكمها أغلب فتجب زكاة العين دون زكاة التجارة ، لمعنيين :

                                                                                                                                            [ ص: 304 ] أحدهما : أنها أقوى من زكاة التجارة ، وأوكد لأنها وجبت بالنص مع انعقاد الإجماع عليها وزكاة التجارة وجبت بالاجتهاد مع حصول الخلاف فيها ، فكان المجمع عليه أولى من المختلف فيه .

                                                                                                                                            والثاني : أن زكاة العين في الرقبة ، وزكاة التجارة في القيمة فإذا اجتمعا كان ما تعلق بالرقبة أولى بالتقدمة ، كالعبد المرهون إذا جنى ، فهذا الكلام في توجيه القولين إذا استوت الزكاتان :

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يسبق وجوب إحدى الزكاتين ، بأن يتعجل حول التجارة قبل صلاح الثمرة ، أو يتعجل صلاح الثمرة قبل حول التجارة ، فقد اختلف أصحابنا فكان أبو حفص بن الوكيل ، وأبو علي بن أبي هريرة يقولان : يزكي أعجلهما قولا واحدا ، ولا سبيل إلى إسقاط زكاة وجبت في الحال ، ويؤكده أن يجب في ثاني الحال .

                                                                                                                                            وقال آخرون من أصحابنا : بل يكون على قولين : لتعذر استوائهما في الغالب وإن الشافعي لم يفرق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية