الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وما أدى من هذا أدى صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الكلام في هذه المسألة يشتمل على فصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : في قدر ما يؤدى .

                                                                                                                                            والثاني : في قدر الصاع المؤدى به .

                                                                                                                                            فأما قدر ما يؤدى من الأقوات فصاع كامل من بر أو شعير أو تمر أو زبيب وهو قول الأكثرين ، وقال أبو حنيفة : إن أخرج تمرا أو شعيرا فصاع ، وإن أخرج برا فنصف صاع وعنه في الترتيب روايتان :

                                                                                                                                            إحداهما : صاع كالتمر والثانية نصف صاع كالبر : تعلقا برواية الزهري عن ثعلبة عن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زكاة الفطر أدوا صاعا من قمح عن [ ص: 380 ] كل اثنين ورواية داود بن الزبرقان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر ، صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو مدين من حنطة وبرواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مناديا أن ينادي ألا إن صدقة الفطر مدان من قمح أو صاع من تمر ، وبرواية الحسن البصري ، قال خطبنا عبد الله بن عباس بالبصرة فقال : أخرجوا صدقة الفطر ، فكأن الناس لم يعلموا ذلك ، فقال لمن كان من أهل المدينة : علموا إخوانكم ، ثم قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من شعير أو تمر ، أو نصف صاع من بر قال : ولأنها صدقة مفروضة تتعلق بأجناس المال ، فوجب أن تختلف باختلاف الأجناس كالمواشي والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه رواية عبد الله بن عمرو عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من بر ، على كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين .

                                                                                                                                            وروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على صدقة رمضان فقال : على كل إنسان صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من قمح .

                                                                                                                                            وروى كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر ، صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من بر أو صاعا من أقط أو صاعا من طعام

                                                                                                                                            وروى زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال : كنا نخرج زكاة الفطر إذ فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط ، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية المدينة فكلم فيما كلم فيه فقال : إني لأرى مدين من بر الشام تعدل صاعا من تمر ، فأخذ الناس بذلك . قال أبو سعيد : ولم أزل أخرجه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه قوت مخرج من صدقة الفطر ، فوجب أن يكون مقدرا بالصاع كالتمر : ولأنه حق يجب في الأقوات لأهل الصدقات ، فوجب أن لا [ ص: 381 ] يختلف قدره باختلاف الأجناس ، كزكوات الزروع والثمار . فأما استدلالهم بالأخبار هي ضعيفة عند أهل النقل غير مقبولة عند أصحاب الحديث .

                                                                                                                                            أما حديث ثعلبة فقد طعن فيه يحيى بن معين ، ويحيى بن سعيد القطان ، وفي رواية رجل من بكر بن وائل غير معروف .

                                                                                                                                            وأما حديث ابن عمر فالمروي عنه خلافه .

                                                                                                                                            وأما حديث عمرو بن شعيب فوجه ضعفه ظاهر .

                                                                                                                                            وأما حديث ابن عباس فهو منقطع الإسناد ، وقد روي عنه خلافه ، ثم لو سلمنا هذه الأخبار الواهية مع ضعفها لكان الجواب عنها من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : ترجيح .

                                                                                                                                            والثاني : استعمال فأما الترجيح فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن ما رويناه أزيد منها والأخذ بالزيادة أولى .

                                                                                                                                            والثاني : ما رويناه أحوط منها والأخذ بالأحوط أولى ، وأما الاستعمال فمن وجهين : أحدهما : أن ما رويناه من إخراج صاع من بر في ذوي اليسار ، وما رووه في إخراج نصف صاع فيمن لم يجد غيره من ذوي الإعسار ، فيكون في نصه على صاع من تمر تنبيه على صاع من البر في الموسرين ، وفي نصه على نصف صاع من بر ، تنبيه على نصف صاع من تمر في المعسرين .

                                                                                                                                            والثاني : أنه مستعمل في عبد بين شريكين ، أو في والد تجب نفقته على ولدين ، فيكون في نصه على نصف صاع من بر تنبيه على نصف صاع من تمر ، أو في نصه على صاع من تمر ، تنبيه على صاع من بر ، فيحمل كل واحد منهما على نص وتنبيه .

                                                                                                                                            وأما قياسه على المواشي بعلة أنها صدقة تتعلق بأجناس ، فوجب أن تختلف باختلاف أجناسه فباطل بصدقة الزروع ، لأنها لا تختلف باختلاف الأجناس ، على أن صدقة الفطر لا تجب في المال ، وإنما تجب في الذمة ويجب إخراجها من المال ، فلم يسلم الوصف ولم يصح الجمع .

                                                                                                                                            [ ص: 382 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية