مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وأحب إلي لأهل البادية أن لا يؤدوا أقطا : لأنه وإن كان لهم قوتا فالفث قوت ، وقد يقتات الحنظل ، والذي لا أشك فيه أنهم يؤدون من قوت أقرب البلدان بهم ، إلا أن يقتاتوا ثمرة لا زكاة فيها فيؤدون من ثمرة فيها زكاة ، ولو أدوا أقطا لم أر عليهم إعادة . ( قال المزني ) قياس ما مضى أن يرى عليهم إعادة : لأنه لم يجعلها فيما يقتات إذا لم يكن ثمرة فيها زكاة أو يجيز القوت وإن لم يكن فيه زكاة " .
قال الماوردي : أما ، وحكي عن أهل البادية فزكاة الفطر واجبة عليهم الزهري وربيعة وعطاء أن زكاة الفطر غير واجبة عليهم ، وهذا مذهب شذوا به عن الإجماع ، وخالفوا فيه نص السنة ، ولو جاز ما قالوا من سقوط زكاة الفطر عنهم مع قوله " على كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين " لجاز سقوط زكاة الأموال عنهم ، فلما أجمعوا على خلافه في زكوات الأموال ، كذلك في زكاة الفطر عليهم ، فإذا ثبت وجوبها عليهم فلهم فيها حالان :
أحدهما : أن يقتاتوا ما يقتاته أهل الحضر فعليهم إخراج زكاة الفطر منها كأهل الحضر ، وليس لهم إخراج الأقط .
والحالة الثانية : أن يقتاتوا الأقط فقد روى أبو سعيد الخدري قال : وروى كنا نخرج إذ فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط كثير بن عبد الله بن عمرو عن أبيه عن جده قال ، فأما حديث فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط أو صاعا من طعام أبي سعيد فصحيح وأما هذا فضعيف ، فإن صح أن أبا سعيد كان يخرج ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعلمه صح هذا الحديث في إسناده فإن لأهل البادية إخراج الأقط قولا واحدا ، [ ص: 385 ] وإن لم يثبت أن أبا سعيد كان يخرج الأقط بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعلمه بدلا ، صح الحديث الآخر في إسناده ، فهل يجوز لأهل البادية ، إخراج الأقط أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : وهو قوله في القديم ، يجوز لهم إخراجه : لأنه قوت مدخر يستند إلى أثر فجاز إخراجه كالتمر .
والقول الثاني : وهو قوله في الجديد لا يجوز لهم إخراجه ، وإن كان قوتا لهم مدخرا فهو مما لا زكاة فيه ، فلم يجز لهم إخراجه ، كما لا يجوز لهم إخراج القثاء وحب الحنظل وإن كان قوتا لهم مدخرا : لأنه مما لا زكاة فيه ، فعلى هذا عليهم إخراجها من غالب قوت البلاد .