الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويحلق المحرم شعر المحل " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، لا يمنع المحرم من حلق شعر المحل ولا من تقليم أظافره ، فإن حلق شعره ، أو قلم ظفره فلا فدية عليه ، سواء فعله بأمره ، أو غير أمره .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : المحرم ممنوع من حلق شعر المحل ، وتقليم أظافره ، كما هو ممنوع من ذلك في نفسه ، فإن فعل فعليه الفدية استدلالا بأن كل ما أوجب على المحرم الفدية بفعله في حق نفسه ، أوجب الفدية بفعله في حق غيره كالصيد لأنه يلزم الجزاء في قتله ، إذا كان لغيره ، كما يلزمه في قتله إذا كان لنفسه .

                                                                                                                                            قالوا : ولأنه محرم حلق شعر آدمي فوجب أن يلزمه الفدية ، كما لو حلق شعر نفسه .

                                                                                                                                            قالوا : ولأن هذا ألزم لكم ، لأنكم منعتم المحرم تزويج نفسه ومن تزويج غيره ، فلزمكم أن تمنعوه من حلق شعره ومن حلق شعر غيره والدلالة على ما قلنا قوله تعالى : ولا تحلقوا رءوسكم [ البقرة : 196 ] وهذا خطاب المحرمين ، بدليل أن الحلق جائز للمحلين ، وإذا لم يكن المحل ممنوعا لم يوجب في شعره الفدية سواء حلقه محرم أو محل ، كما أن المحرم لما كان ممنوعا ، وجب في شعره الفدية ، سواء حلقه محل أو محرم .

                                                                                                                                            وهذا الاستدلال لو أفرد عن الآية ، صح ، الاحتجاج به ، وقد يتحرر قياسا ، فيقال : لأنه شعر محل ، فوجب أن لا يلزمه فيه بحلقه الفدية ، كما لو حلقه محل ، ولأن كل ما لو فعله المحرم في حق نفسه ، لزمته الفدية : لأجل الترفيه به ، فإذا فعله بالمحل لم يلزمه الفدية ، كما لو ألبسه أو طيبه ، ولأنه شعر لا يتعلق بمحله حرمة الإحرام ، فلم يتعلق به حرمة الإحرام ، كالبهائم .

                                                                                                                                            وأما قياسهم على قتل الصيد ، فمنتقض بالطيب واللباس ، ثم المعنى في الصيد ، أنه قد ثبت لي حرمة الإحرام بنفسه ، ألا ترى أنه قد يلزمه الحلال الجزاء في قتله . وأما قياسه على المحرم إذا حلق شعر نفسه : فغير صحيح : لأنه إن قالوا : لأنه محرم لم يؤثر في الأصل لأن المحرم تجب في شعره الفدية سواء حلقه محل أو محرم ، وإن لم يقولوا لأنه محرم انتقض بشعر المحل إذا حلقه محل على أن المعنى في شعر المحرم إن ثبت له حرمة الإحرام ، فوجبت الفدية بحلقه ، وليس كذلك شعر المحل ، وأما ما ألزموه من النكاح فغير [ ص: 119 ] لازم : لأن النكاح لا يصح إلا بولاية والإحرام يمنع من الولاية فبطل النكاح ، والشعر وجبت فيه الفدية ، لترفه المحرم به ، والحالق المحرم لا يترفه به فلم يلزمه الفدية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية