فصل : فأما الطعام فالحكم فيه كالحكم في الهدي ، لا يجزئه إلا في الحرم ، وقال أبو حنيفة : يجزئ في غير الحرم ، والكلام في المسألتين واحد ، وإذا كان كذلك على ضربين : فالطعام الواجب في الفدية
أحدهما : أن يكون منصوصا على قدره وعدد مستحقيه ، وذلك فدية الأذى ، وهو إطعام ثلاثة آصع ستة مساكين ، لكل مسكين مدان ، وهو أعلى الإطعام المنصوص عليه في الكفارات ، وقد سماها الشافعي في الإملاء فدية تعبد : لأن الشرع قد تعبد بقدر الطعام وأعداد المساكين ، فإذا دفع أقل من ثلاثة آصع إلى ستة مساكين لم يجزه : لنقصان القدر ، وإن دفع ثلاثة آصع إلى أقل من ستة مساكين لم يجزه ، لنقصان العدد .
والضرب الثاني : أن لا يكون منصوصا على قدره ، ولا على عدد مستحقيه ، وذلك جزاء الصيد وما في معناه من الكفارات التعديل ، وقد سماه الشافعي في الإملاء فدية بدل ، كالأثمان تنخفض وترتفع : لأنه لا يتقدر الطعام فيها إلا بتقويم الهدي وصرف ثمنه في الطعام ، فربما كثر الطعام إما لكثرة قيمة الهدي ، أو لقلة ثمن الطعام ، وربما قل الطعام إما لقلة قيمة الهدي ، أو لكثرة ثمن الطعام ، ثم يتقدر حينئذ بذلك فيصير كالمقدر شرعا ، فأما أعداد مستحقيه فهل مخصوص بعدد أم لا ؟ على وجهين مبنيين على اختلاف القولين فيما يدفع إلى كل مسكين .
فأما الوجهان : أنه يدفع إلى كل مسكين مد ، لا تجوز الزيادة عليه ولا النقصان منه ، فعلى هذا ينحصر عددهم بعدد الأمداد : فإن كانت الأمداد عشرة ، وجب دفعها إلى عشرة مساكين ، لا يجوز الزيادة عليهم ولا النقصان منهم ، وصاروا كالعدد المقدر شرعا : فلو كان فوق الأمداد كسر ، وجب دفع الكسر إلى مسكين آخر .
والوجه الثاني : أن كل ما يدفع إلى كل مسكين غير مقدر كلحم الهدي ، فعلى هذا عدد المساكين غير محصور ، ولكن إن كان ذلك ثلاثة أمداد فصاعدا لم يجز دفعها إلى أقل من ثلاثة مساكين : لأنهم أقل الجمع المطلق ، وإن كان ذلك مدين لم يجز دفعها إلى أقل من مسكين ، ويجوز دفعها إلى مسكينين : لأن أقل ما يواسى به كل مسكين مد ، فإن دفع ذلك إلى ثلاثة مساكين أجزأ ؟ فإن كان ذلك مدا واحدا جاز أن يصرفه إلى مسكين واحد ، فإن صرفه إلى مسكينين أو ثلاثة مساكين أجزأه ، ويستحب على هذا الوجه أن لا ينقص المسكين الواحد عن مد : لأنه أقل ما يواسى به ، ولا يزيده على مدين : لأنه أكثر ما يواسى به .