مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " وتجوز الشهادة أنهم لا يعرفون له وارثا غير فلان إذا كانوا من أهل المعرفة الباطنة وإن قالوا بلغنا أن له وارثا غيره لم يقسم الميراث حتى يعلم كم هو فإن تطاول ذلك دعي الوارث بكفيل للميراث ، ولا نجبره " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : لم تسمع الشهادة منهما حتى يذكران ما استحق به ميراثه من سبب ، أو نسب لاختلاف الفقهاء في المواريث المستحقة ، والأحق بها من الورثة فإذا شهدا بما يصير به وارثا من نسب ، أو سبب يستحق به فرضا ، أو تعصيبا لم يخل حال شهادتهما من ثلاثة أقسام : إذا ادعى رجل ميراث ميت وشهد له شاهدان باستحقاق ميراثه
أحدها : أن يتضمن إثبات ميراث المدعي ونفي ميراث غيره .
والثاني : أن يتضمن إثبات ميراثه وميراث غيره .
والثالث : أن يتضمن إثبات ميراثه ، ولا يتضمن ذكر غيره في إثبات ، ولا نفي .
فأما القسم الأول وهو أن يتضمن إثبات ميراثه ونفي ميراث غيره فصورته أن يقول الشاهدان : نشهد أن فلانا هذا وارث فلان الميت وأن الميت لا نعلم له وارثا غيره فيصيران [ ص: 112 ] شاهدين بإثبات ونفي . أما الإثبات فشهادتهما به على البت ، والقطع ، وهي مقبولة سواء كانا من أهل المعرفة الباطنة بالميت أم لا ؛ لأنهما قد يصلان إلى العلم به كما يصل إليه من كان من خلطائه ، وأما النفي فشهادتهما على العلم دون البت ، والقطع ؛ لأنه لا يوصل إلى نفسه وإنما يعلم من غالب أحواله ، وتصح الشهادة على النفي إذا كان تبعا للإثبات ، ولا تصح على نفي مجرد وهي هاهنا تبعا للإثبات فصحت ألا ترى إلى ما روي عن علي رضي الله عنه قال : . ما كان يحجز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قراءة القرآن شيء إلا الجنابة
فصح نفيه لما اقترن بإثبات وإذا صحت الشهادة على النفي تبعا للإثبات اعتبر حال الشاهدين به . فإن كانا من أهل المعرفة الباطنة بالميت قبل شهادتهما في النفي ، والإثبات معا ودفع المال للمشهود له . ألا ترى أن عليا كان من أهل المعرفة الباطنة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصح أن يشهد عليه بالنفي تبعا للإثبات في أنه لم يكن يحجزه عن قراءة القرآن شيء إلا الجنابة .
وإن لم يكن الشاهدان من أهل المعرفة الباطنة بالميت ، ولا ممن خبر جميع أحواله في حضره وسفره لم تقبل شهادتهما على النفي لوارث غيره ؛ لأنه قد يجوز أن يكون فيما خفي عليهما من حاله نسب لم يعلما به ، ولا يكون ذلك قد خالف ما شهدا به من الإثبات فتعتبر الشهادة بها بإثبات مجرد على ما سنذكره فهذا قسم .