الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " أو خيطا خاط به ثوبه فإن خاط به جرح إنسان أو حيوان ، ضمن الخيط ، ولم ينزع " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها فيمن غصب خيطا فخاط به شيئا فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون قد خاط به غير حيوان كالثياب فيؤخذ الغاصب بنزعه ورده على مالكه وأرش نقصه إن نقص .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون قد خاط به حيوانا ، فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون الحيوان ميتا عند المطالبة بالخيط فينظر ، فإن كان الحيوان مما لا حرمة له بعد موته كالبهيمة نزع الخيط منه ورده على مالكه ، وإن كان مما له حرمة كالآدمي نظر فإن لم يفحش حاله بعد نزع الخيط منه نزع وإن فحش لم ينزع لقوله صلى الله عليه وسلم : حرمة ابن آدم بعد موته كحرمته في حياته .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون حيا ، فعلى ضربين : أحدهما أن يكون مباح النفس من آدمي ، أو بهيمة كالمرتد ، والخنزير ، والكلب العقور فيؤخذ بنزعه ؛ لأنه مما لا حرمة لحفاظ نفسه ثم يغرم بعد نزعه أرش نقصه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون محظور النفس ، فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون آدميا ، فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يخاف من نزعه التلف فيقر الخيط ، ولا ينزع ، سواء كان الغاصب أو غيره ؛ لما يلزم من حراسة نفسه بعد غصبه ، فأولى أن يجبر على تركه ، فعلى هذا يغرم قيمته .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يأمن التلف فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يأمن الضرر وشدة الألم فهذا ينزع منه ويرد على مالكه مع أرش نقصه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يخاف ضرر ، أو شدة ألم وتطاول مرض ففيه وجهان مخرجان من اختلاف قوليه في تيمم المريض إذا خاف تطاول المرض وشدة الألم .

                                                                                                                                            أحدهما : ينزع إذا قيل لا يتيمم .

                                                                                                                                            والثاني : يقر إذا قيل يتيمم . والضرب الثاني في الأصل أن يكون الحيوان غير آدمي ، فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون غير مأكول كالبغل ، والحمار ، فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يؤمن تلفها فينزع الخيط .

                                                                                                                                            [ ص: 202 ] والثاني : أن يخاف تلفها فيقر لحرمة نفسها التي لا يجوز انتهاكها بتعدي مالكها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون الحيوان مأكولا كالشاة ، والبعير فإن أمن تلفها بنزعه نزع وإن خيف تلفها ففيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : رواه الربيع ، تذبح لينزع الخيط منها ؛ لأنه قد يوصل إلى أخذه على وجه مباح .

                                                                                                                                            والقول الثاني : رواه المزني وحرملة أنه يقر الخيط ، ولا ينزع ويؤخذ الغاصب بقيمته لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذبح البهائم إلا لمأكلة ، وقال صلى الله عليه وسلم : من ذبح عصفورا بغير حقها حوسب بها قيل ، وما حقها ؟ قال : أن لا يذبحها لغير مأكلة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية