مسألة : قال الشافعي : " ثم لا يزال وقت الظهر قائما حتى يصير ظل كل شيء مثله "
قال الماوردي : قد مضى أول وقت الظهر ، فأما فهو أن يصير ظل كل شيء مثله سوى ما بان به الزوال من ظل الشخص . وقال آخر وقتها أبو حنيفة في رواية أبي يوسف عنه : " أن وقت الظهر ممتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه " . وحكى عنه الحسن بن زياد اللؤلؤي مثل قول الشافعي ، وحكى عن طاوس ومالك . في رواية ابن وهب عنه : " أن وقت الظهر ممتد إلى غروب الشمس ، وقال أبو يوسف ، ومحمد : أول وقت العصر مشترك مع آخر وقت الظهر ، وحكى نحوه عن المزني استدلالا بعموم قوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل [ الإسراء : 78 ]
وبما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة من غير خوف ولا مطر فدل على اشتراك وقتهما ، قالوا : ولأن الأوقات لم تقف على بيان جبريل حتى زيد في وقت عشاء الآخرة إلى طلوع الفجر ، ووقت الصبح إلى طلوع الشمس ، ووقت العصر إلى غروب الشمس كذلك ، وقت الظهر
ودليلنا على كافتهم حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : جبريل فصلى بي الظهر في اليوم الأول حين كان الفيء مثل الشراك ، وفي اليوم الثاني حين كان فيء كل شيء قدر ظله دون العصر بالأمس ، وقال : الوقت فيما بين هذين الوقتين فاقتضى أن يكون ما بعد الزيادة على ظل كل شيء مثله بوقت لها كما أن ما قبل الزوال ليس بوقت لها ، فإن قيل : فتحمل صلاة جاء جبريل به في اليوم الثاني حين كان ظل كل شيء مثله على ابتداء الصلاة ، كما حملنا صلاته به في اليوم الأول عند الزوال على ابتداء الصلاة ، قيل : لا يجوز أن تحمل صلاته في اليوم الأول إلا على الابتداء ، وفي اليوم الثاني إلا على الانتهاء ، لأن المقصود بها في اليوم الأول تحديد أول الوقت ، ولا يمكن تحديده إلا بابتداء الصلاة فيه ، والمقصود بها في اليوم الثاني تحديد آخر الوقت ، ولا يمكن تحديده إلا بانتهاء الصلاة فيه . وروى أبو هريرة [ ص: 15 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وهذا نص إن كان ثابتا إن للصلاة أولا وآخرا ، وآخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله ، وآخر وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه
وروى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وهذا نص ، ولأن وقت الظهر إذا زالت الشمس إلى أن يكون ظل الرجل بطوله ما لم تحضر العصر كالمغرب مع العشاء ، ثم الدليل على من ذهب إلى إشراك الوقت رواية كل صلاتين جمعتا لحق النسك فأولاهما أقصرهما قتادة عن أيوب ، عن عبد الله بن عمر ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وقت الظهر ما لم يدخل وقت العصر إلى اصفرار الشمس
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : فدلت هذه الأخبار على بطلان الإشراك ، ولأنه لما امتنع إشراك الوقتين فيما سوى الظهر والعصر وامتنع من الإشراك وقت الظهر والعصر ، ولأنه قدر بما يشتركان فيه من الوقتين كثير محدود ، وذلك مؤد إلى أن يصير وقت كل واحدة منهما غير محدود : لأن الظهر تصير غير محدودة الانتهاء والعصر غير محدودة الابتداء ، وأما استدلالهم بالآية فمستعمل على أحد وجهين ، إما في جنس الصلوات من الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، وإما في أوقات أصحاب العذر ، والضرورات ، وأما استدلالهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ليس التفريط أن تؤخر الصلاة إلى آخر وقتها ، إنما التفريط أن تؤخر حتى يدخل وقت الأخرى بالمدينة من غير خوف ولا مطر " ، فقوله : " ولا مطر " زيادة لم تعرف ، ثم لو سلمت لاستعلمت على أحد وجهين : إما لأنه لم يكن مطر يصيبه وقت الجمع لخروجه من باب حجرته الذي إلى المسجد وإن كان المطر موجودا ، وإما أن يستعمل على أنه إن جمع بأن صلى الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها فصار جامعا بينهما
وأما الجواب عن استدلالهم بأن الأوقات قد زيد فيها على بيان جبريل من ثلاثة أوجه : أحدها : أنه يزيد فيها بالنص ، وليس فيما اختلفنا فيه من الظهر نص
والثاني : أنه وإن زيد في بعضها ، فالمغرب لم يرد في وقتها ، فليس هم في ردها إلى ما زيد في وقت بأولى من غيرهم في ردها إلى ما لم يزد في وقته
والثالث : أنه وإن وردت الزيادة في أوقات بعض الصلوات فقد اتفقوا أنه لا يجوز [ ص: 16 ] النقصان من وقت شيء من الصلوات ، وإذا جعل الوقت مشتركا كان ما زاد في وقت الظهر نقصانا من وقت العصر ، فليس لهم أن يحملوا ذلك على الجواز لما حصل في وقت الظهر من الزيادة إلا ولغيرهم أن يحمل ذلك على الفساد لما حصل في وقت العصر من النقصان - والله أعلم -