الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال المزني رحمه الله تعالى : " ولو ساقى أحدهما صاحبه على نخل بينهما سنة معروفة على أن يعملا فيها جميعا على أن لأحدهما الثلث ، وللآخر الثلثين لم يكن لمساقاتهما معنى فإن عملا فلأنفسهما عملا ، والثمر بينهما نصفين " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في نخل بين شريكين بالسوية ساقى أحدهما صاحبه على أن يعملا فيها جميعا ، على أن لأحدهما الثلث وللآخر الثلثين فهذه مساقاة باطلة لعلتين :

                                                                                                                                            [ ص: 381 ] إحداهما : أن العامل فيها لا يتميز من رب المال .

                                                                                                                                            والعلة الثانية : أن عمل أحدهما على غير بدل ، وإذا بطلت المساقاة بذلك وجب أن تكون الثمرة بينهما نصفين بالملك ، وفي عملهما وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه هدر لا يراعى فيه التفاضل ، ولا يستحق فيه أجرة ؛ لأنه تبع للمال ، كالشريكين في المال يقتسمان الربح بينهما بالسوية ، اعتبارا بالمال ، وإن تفاضلا في العمل ؛ لأن عملهما تبع للمال ، فلم يراع فيه التفاضل ، ولم يضمن بالأجرة .

                                                                                                                                            وهذا مخرج من قول الشافعي أن العامل شريك ، فعلى هذا لا أجرة لواحد منهما على صاحبه ، وإن زاد عليه في عمله .

                                                                                                                                            الوجه الثاني : أن العمل معتبر يراعى فيه التفاضل ويستحق فيه الأجر . كالشريكين بأبدانهما ، يقتسمان الكسب على أجور أمثالهما ، وبحسب تفاضلهما في أعمالهما ، وهذا مخرج من قول الشافعي - رضي الله عنه - " أن العامل أجير " ، فعلى هذا يرجع من شرط لنفسه ثلثي الثمرة على صاحبه بنصف أجرة مثله ؛ لأنه شرط على عمله بدلا ، ولم يبذله تطوعا فاستحق نصف الأجرة ، وسقط نصفها ؛ لأن نصف عمله في ملك نفس ، فلم يرجع ببدله ونصفه في ملك شريكه ، فرجع ببدله .

                                                                                                                                            فأما المشترط لنفسه ثلث الثمرة ، فعلى مذهب المزني لا يرجع بشيء من أجرته تغليبا للشرط ، وعلى مذهب أبي العباس بن سريج يرجع بنصف أجرته تغليبا للعقد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية