الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما ما يكترى للعمل فقد يكرى لأربعة أنواع من العمل ، فإن شاء غيرها كان ملحقا بأحدها ، فأحد أنواع العمل أن يستأجر لحرث الأرض فيعتبر في صحة الإجارة على ذلك ثلاثة شروط :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون جنس البهيمة المستأجرة للحرث معلوما إما بالمشاهدة ، أو بالذكر من [ ص: 414 ] ثور ، أو بقرة ، أو جاموس ، أو بغل : لأن عمل كل جنس منها مختلف .

                                                                                                                                            والشرط الثاني : أن تكون ناحية الأرض المحروثة معلومة وإن لم تكن الأرض معلومة : لأن النواحي قد تختلف أرضها في الصلابة والرخاوة .

                                                                                                                                            والشرط الثالث : أن يكون العمل معلوما ، والعلم به قد يكون من أحد وجهين :

                                                                                                                                            إما بتقدير العمل مع الجهل بالمدة كاشتراطه حرث عشرة أجربة فيصح مع الجهل بالمدة ، وإما بتقدير المدة مع الجهل بقدر العمل كاشتراط حرث شهر فيصح مع الجهل بقدر العمل فيصير المعقود عليه بكل واحد من هذين معلوما .

                                                                                                                                            والنوع الثاني من أنواع العمل : أن يستأجر لدياس الزرع من البر والشعير فيحتاج إلى شرطين :

                                                                                                                                            أحدهما : ذكر جنس الزرع من بر أو شعير لاختلافه .

                                                                                                                                            والثاني : العلم بقدر العمل ، وقد يتقدر من أحد ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : بمشاهدة الزرع ورؤيته فيصير العمل معلوما وتصح الإجارة عليه بهذين الشرطين وإن لم يذكر جنس ما يدرس به من البهائم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن يقدر العمل بالباقات والحزم فلا تصح لاختلاف ذلك في الصغر والكبر .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أن يقدر بالزمان كاشتراطه أن يدوس زرعه شهرا فيصح ويصير العمل بالزمان معلوما ، وتحتاج صحة العقد مع الشرطين الماضيين إلى شرط ثالث وهو ذكر جنس ما يدوس به من البهائم مع ذكر العدد : لأن لكل جنس من البهائم في الدياس أثرا يخالف غيره من الأجناس .

                                                                                                                                            والنوع الثالث من أنواع العمل أن يستأجر لإدارة الدواليب فتعتبر صحة الإجارة فيه بثلاثة شروط : أحدها : أن تكون البهيمة معلومة إما بالمشاهدة والتعيين وإما بذكر الجنس من بقرة أو بعير : لأن عمل كل جنس يخالف غيره ، والثاني : يعتبر الدولاب الدار ، ولا تقع فيه الصفة : لأنها لا تضبطه ، ولا تقوم مقام المشاهدة لاختلاف الدواليب بالصغر والكبر في خفة الخشب وثقله وضيق الكوز وسعته وكثرته . قلت فإن لم يشاهد الدولاب لم يجز ، والثالث أن يكون قدر العمل معلوما ، والعلم به يتقدر بالمدة ولا يتقدر بالعمل : لأنه إذا قدر ذلك بسقي عشرة أجربة فقد يروى بقليل الماء ، وقد لا يروى إلا بكثيره ، فلا يصير تقدير العمل معلوما فاحتيج إلى تقديره بالمدة فيستأجر لسقي شهر فيصير العمل بالمدة معلوما . فإن قيل فقد تخرج من المدة أوقات الاستراحة وزمان العلوفة فيصير العمل بذكر المدة مجهولا قيل هذه أوقات استثناها العرف ، والشرع فهي وإن لم تتقدر شرطا تقدرت عرفا وكان تفاوت العرف فيها يسيرا يعفى عنه لعدم التحرر منه .

                                                                                                                                            والنوع الرابع من أنواع العمل : أن يستأجر لاصطياد صيد فيحتاج إلى ثلاثة شروط :

                                                                                                                                            أحدها : ذكر جنس الجارح من فهد ، أو نمر ، أو باز ، أو صقر ، وأما الكلب ، فعلى وجهين [ ص: 415 ] ذكرناهما . ولو عين الجارح في العقد كان أولى لاختلافها في الضراوة والتعليم ، وإن لم يعينه وأطلق ذكر الجنس بعد وصفه بالتعليم صح .

                                                                                                                                            والشرط الثاني : ذكر ما يرسل عليه من الصيد من غزال ، أو ثعلب ، أو حمار وحش : لأن لكل صيد من ذلك أثرا في إتعاب الجارح ، فإن شرطا جنسا فأرسله على غيره جاز إن كان مثله أو أقرب ، وإن كان أصعب صار متعديا وضمن الجارح إن هلك ، وأجرة تعديه على ما سنذكره .

                                                                                                                                            والشرط الثالث : أن يكون العمل معلوم القدر ، ولا يتقدر ذلك إلا بالزمان كاشتراطه اصطياد شهر ، فأما تقديره بأعداد ما يصطاد فلا يصح : لأنه قد يعن له الصيد ولا يعن ، وقد يصيد إذا عن وقد لا يصيد ، فهذا تفصيل ما تكرى له البهائم من المنافع المألوفة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية