الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ويجوز كراء الأرض بالذهب والورق والعرض وما نبت من الأرض ، أو على صفة تسميه كما يجوز كراء المنازل وإجارة العبيد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، وقد اختلف الناس في إجارة الأرضين على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            [ ص: 454 ] أحدها : ما ذهب إليه الحسن البصري ، وطاوس إلى أن إجارة الأرضين باطلة لا تجوز بحال .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : ما قاله مالك بن أنس أن إجارتها جائزة بالذهب والورق ، ولا يجوز بالبر والشعير ، ولا بما ينبت من الأرض .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : ما قاله الشافعي - رضي الله عنه - وأبو حنيفة وجماعة الفقهاء : أنها تجوز بكل معلوم من ذهب أو ورق أو عرض ، أو بما ينبت من الأرض من بر أو شعير أو غيره . واستدل الحسن وطاوس على المنع من إجارتها بحديث رواه ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض ، فلقيه عبد الله فقال ابن خديج : ماذا تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كراء الأرض فقال رافع لعبد الله بن عمر : سمعت عمي وكانا قد شهدا بدرا يحدثان أهل الدار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كراء الأرض فقال عبد الله : والله لقد كنت أعلم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الأرض تكرى ، ثم خشي عبد الله أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدث في ذلك شيئا لم يكن يعلمه ، فترك كراء الأرض .

                                                                                                                                            وروى ابن المبارك ، عن سعيد أبي شجاع ، عن عيسى بن سهل ، عن رافع بن خديج قال : إني ليتيم في حجر رافع ، وحججت معه وجاءه أخي عمران بن سهل فقال : أكرينا أرضنا فلانة بمائتي درهم ، فقال : دعه ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كراء الأرض .

                                                                                                                                            قال : ولأنه لما لم تجز إجارة النخل والشجر ؛ لكونهما أصلا لكل ثمر فكذلك الأرض : لأنها تجمع الأصل والفرع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية