الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 493 ] باب تفريق القطائع وغيرها

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " والقطائع ضربان : أحدهما : ما مضى . والثاني : إقطاع إرفاق لا تمليك مثل المقاعد بالأسواق التي هي طريق المسلمين فمن قعد في موضع منها للبيع كان بقدر ما يصلح له منها ما كان مقيما فيه ، فإذا فارقه لم يكن له منعه من غيره كأفنية العرب وفساطيطهم ، فإذا انتجعوا لم يملكوا بها حيث تركوا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح قد ذكرنا أن إقطاع السلطان إنما يتوجه إلى ما كان مباحا من الأرض لم يجر عليه ملك مسلم ، قال الشافعي في الأم : وليس للسلطان أن يعطي إنسانا ما لا يحل للإنسان أن يأخذه من موات لا مالك له ، والسلطان لا يحل له شيئا ، ولا يحرمه ، ولو أعطى السلطان أحدا شيئا لا يحل له لم يكن له أخذه ، فدل ذلك من قوله مع ما قد استقرت عليه أصول الشرع أن ما استقر عليه ملك آدمي لم يجز للسلطان أن يقطعه أحدا ، وإن أقطعه جاز للمقطع أن يملكه ، فأما ما لم يستقر عليه ملك من سباخ الأرض فينقسم ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            قسم لا يجوز إقطاعه ، وقسم يجوز إقطاعه ، وقسم اختلف قوله في جواز إقطاعه ، فأما ما لا يجوز إقطاعه فالماء والكلأ وسائر المعادن الظاهرة ، وقد مضى الكلام فيها ، وأما ما اختلف قوله في جواز إقطاعه فهي المعادن الباطنة ويأتي الكلام فيها ، وأما ما يجوز إقطاعه فينقسم ثلاثة أقسام : قسم يملك بعد الإقطاع ، وقسم لا يملك ، وقسم اختلف قوله في تمليكه ، فأما ما يملك بعد الإقطاع فهو الموات يملك بالإحياء ملكا مستقرا وقد مضى ، وأما ما يملك بالإقطاع فهو الذي ذكره في هذا الباب ، وهو الارتفاق بمقاعد الأسواق وأقنية الشوارع وحريم الأمصار ومنازل الأسفار ، أن يجلس فيه الباعة وأن تحط فيه الرحال فهذا مباح ، قد أقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس عليه بمكة والمدينة ، ومكن الخلفاء الراشدون بعده في الأمصار كلها فتوحها ومحياها ، ولأن حاجة الناس إلى ذلك ماسة وضرورتهم إليه داعية فجرى مجرى الاستطراق ، والارتفاق ، وأما ما اختلف قوله في تمليكه فهو المعادن الباطنة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية