مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولا أحب لأحد ترك لقطة وجدها إذا كان أمينا عليها " .
قال الماوردي : وهذا صحيح . وظاهر قوله هاهنا : " ولا أحب ترك اللقطة " ، يقتضي [ ص: 11 ] استحباب أخذها دون إيجابه ، وقال في كتاب " الأم " : ولا يجوز لأحد . فكان ظاهر هذا القول يدل على إيجاب أخذها ، فاختلف أصحابنا لاختلاف هذين الظاهرين ، وكان ترك اللقطة إذا وجدها أبو الحسن بن القطان وطائفة يخرجون ذلك على اختلاف قولين : أحدهما أن أخذها استحباب وليس بواجب على ظاهر ما نص عليه في هذا الموضع : لأنه غير مؤتمن عليها ولا مستودع لها .
والقول الثاني : أن أخذها واجب وتركها مأثم : لأنه كما وجب عليه حراسة نفس أخيه المسلم ، وجب عليه حراسة مال أخيه المسلم .
وقال جمهور أصحابنا : ليس ذلك على قولين ، إنما هو على اختلاف حالين ، فالموضع الذي لا يأخذها إذا كانت تؤمن عليها ويأخذها غيره ممن يؤدي الأمانة فيها ، والموضع الذي أوجب عليه أخذها إذا كانت في موضع لا يؤمن عليها ، ويأخذها غيره ممن لا يؤدي الأمانة فيها لما في ذلك من التعاون ، وعلى كلا الحالتين لا يكره له أخذها إذا كان أمينا عليها .
وحكي عن ابن عباس وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنهما كرها أخذها ، وروي أن شريحا مر بدرهم فلم يعرض له ، وفي هذا القول إبطال التعاون وقطع المعروف ، وقد أخذ أبي بن كعب الصرة التي وجدها ، وأخذ علي - عليه السلام - الدينار ، وأخبرا به النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينكر ذلك عليهما ولا كرهه لهما ، ويجوز أن يكون المحكي عن ابن عباس وابن عمر فيمن كان غير مأمون عليها أو ضعيفا عن القيام بها ، ونحن نكره لغير الأمين عليها وللضعيف عن القيام بها أن يتعرض لأخذها ، وإنما نأمر به من كان أمينا قويا ، فلو تركها القوي الأمين حتى هلكت فلا ضمان عليه وإن أساء ، فإن أخذها لزمه القيام بها ، وإن تركها بعد الأخذ لزمه الضمان ، ولو ردها على الحاكم فلا ضمان عليه ، بخلاف الضوال في أحد الوجهين : لأنه ممنوع من أخذ الضوال فضمنها ، وغير ممنوع من أخذ اللقطة فلم يضمنها .