الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 114 ] باب أقرب العصبة

                                                                                                                                            قال المزني - رحمه الله - : وأقرب العصبة البنون ، ثم بنو البنين ، ثم الأب ، ثم الإخوة للأب والأم إن لم يكن جد ، فإن كان جد شاركهم في باب الجد ، ثم الإخوة للأب ، ثم بنو الإخوة للأب والأم ، ثم بنو الإخوة للأب ، فإن لم يكن أحد من الإخوة ولا من بنيهم ولا بني بنيهم وإن سفلوا ، فالعم للأب والأم ، ثم العم للأب ، ثم بنو العم للأب والأم ، ثم بنو العم للأب ، فإن لم يكن أحد من العمومة ولا بنيهم ولا بني بنيهم وإن سفلوا ، فعم الأب للأب والأم ، فإن لم يكن فعم الأب للأب ، فإن لم يكن فبنوهم وبنو بنيهم على ما وصفت من العمومة وبنيهم وبني بنيهم ، فإن لم يكونوا فعم الجد للأب والأم ، فإن لم يكن فعم الجد للأب ، فإن لم يكن فبنوهم وبنو بنيهم على ما وصفت عمومة الأب ، فإن لم يكونوا فأرفعهم بطنا ، وكذلك نفعل في العصبة إذا وجد أحد من ولد الميت ، وإن سفل لم يورث أحد من ولد ابنه وإن قرب ، وإن وجد أحد من ولد ابنه وإن سفل لم يورث أحد من ولد جده وإن قرب ، وإن وجد أحد من ولد جده وإن سفل لم يورث أحد من ولد أبي جده وإن قرب ، وإن كان بعض العصبة أقرب باب فهو أولى لأب كان أو أم ، وإن كانوا في درجة واحدة إلا أن يكون بعضهم لأب وأم ، فالذي لأب وأم أولى ، فإذا استوت قرابتهم فهم شركاء في الميراث " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، واختلفوا في العصبة لم سموا عصبة ؟ فقال بعضهم : سموا عصبة لالتفافهم عليه في نسبه كالتفاف العصائب على يده ، وقال آخرون : بل سموا عصبة لقوة نفسه بهم ولقوة جسمه بعصبه ، فأقرب عصبات الميت إليه بنوه لأنهم بعضه ، ولأن الله تعالى قدمهم في الذكر وحجب بهم الأب عن التعصيب حتى صار ذا فرض ، ثم بنو البنين لأنهم بعض البنين : لأن الأب معهم ذو فرض فهو مع البنين ، ولأنهم يعصبون أخواتهم كالبنين ، ثم بنو بني البنين وإن سفلوا ، فإن قيل : أفليس الأب مقدما على الابن في الصلاة عليه بعد الوفاة والتزويج في حال الحياة لأنه أقوى العصبات ، فهلا كان مقدما في الميراث ؟ قيل إنما يقدم في الصلاة والتزويج بمعنى الولاية ، والولاية في الآباء دون الأبناء ، وفي الميراث يقدم بقوة التعصيب وذلك في الأبناء أقوى منه في الآباء ، فإذا عدموا فلم يكن ولد ولا ولد ولد وإن سفل فالأب حينئذ أقرب العصبات بعدهم لأن الميت بعضه ، ولأنه لما كان أقربهم من ولده الميت كان الأقرب من بعدهم من ولد الميت ، ولأن سائر العصبات بالأب يدلون وإليه ينسبون ، [ ص: 115 ] فكان مقدما على جميعهم ، فإن لم يكن بعد الأب إخوة فالجد ، وإن كان إخوة ، فعلى خلاف يذكر في باب الجد ، ثم بعد الجد أبو الجد ، ثم جد الجد ، ثم أبو جد الجد ، ثم جد جد الجد ، ثم هكذا أبدا حتى لا يبقى أحد من عمود الآباء لما فيهم من الولادة والتعصيب ، ثم الإخوة إذا لم يكن جد لأنهم والميت بنو أب قد شاركوهم في الصلب وراكضوهم في الرحم ، ولأنهم يأخذون شبها من البنين في تعصيب أخواتهم فيقدم منهم الأخ للأب والأم على الأخ للأب لقوته بالسببين على من تفرد بإحداهما ، ولما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : وأعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات ، وأصل ميراثهما مأخوذ من قوله تعالى : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد [ النساء 176 ] ، فيكون حكم الإخوة مع الأخوات كحكم البنين مع البنات في اقتسامهم المال للذكر مثل حظ الأنثيين بعد فرض إن كان مستحقا ، ثم بعد الأخ للأب والأم الأخ للأب وهو مقدم على ابن الأخ للأب والأم لقرب درجته ، ثم بنو الإخوة وهم مقدمون على الأعمام وإن سفلوا ، لأنهم من بني أبي الميت والأعمام بنو جده فيقدم من بني الإخوة من كان لأب وأم ، ثم من كان لأب ، ثم بنو بنيهم وإن سفلوا يقدم من كان أقرب في الدرجة ، وإن كان لأب على من بعد ، وإن كان لأب وأم ، فإن استوت درجتهم قدم من كان منهم لأب وأم على من كان لأب ، ثم الأعمام لأنهم بنو الجد ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورث عم سعد بن الربيع ما فضل عن فرض زوجته وبنتيه ، فيقدم العم للأب والأم على العم للأب لإدلائه بالسببين ، ثم العم للأب ، ثم ابن العم للأب والأم ، ثم ابنا العم للأب ، ثم بنو بنيهم على هذا الترتيب وإن سفلوا مقدمين على أعمام الأب ، ثم أعمام الأب يقدم منهم من كان لأب وأم على من كان لأب ، ثم بنوهم وبنو بنيهم على ما ذكرنا في بني الأعمام ، ثم أعمام الجد ، ثم بنوهم ، ثم أعمام ابن الجد ، ثم بنوهم ، ثم أعمام جد الجد ، ثم بنوهم ، ثم أعمام أبي جد الجد ، ثم بنوهم ، هكذا أبدا حتى يستنفذ جميع العصبات لا يقدم بنو أب أبعد على بني أب هو أقرب وإن نزلت درجتهم ، وإذا استووا قدم منهم من كان لأب وأم على من كان لأب ، وليس الإخوة للأم من العصبة لإدلائهم بالأم التي لا مدخل لها في التعصيب ولا الأعمام للأم من الورثة لأنهم ذو أرحام ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية