الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : قال المزني - رحمه الله تعالى - : " قد زعم الشافعي أن نصف العبد إذا كان حرا يرثه أبوه إذا مات ولا يرث هذا النصف من أبيه إذا مات أبوه فلم يورثه من حيث ورث منه ، والقياس على قوله أنه يرث من حيث يورث " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا اعتراض من المزني على الشافعي في تعليله إبطال ميراث المرتد بأن الله تعالى أثبت المواريث للأبناء من الآباء حيث أثبت المواريث للآباء من الأبناء ، فأبطل المزني هذا التعليل عليه بالعبد إذا كان نصفه حرا أنه يورث عنده بنصفه الحر ولا يرث [ ص: 148 ] هو بنصفه الحر ، فجعل ذلك إبطالا لتعليله واحتجاجا لنفسه في أنه يرث بقدر حريته كما يورث بقدر حريته .

                                                                                                                                            والجواب عنه من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : رد لاعتراضه .

                                                                                                                                            والثاني : فساد استدلاله . فأما رد اعتراضه فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن في ميراث المعتق نصفه قولان أصحهما لا يورث كما لا يرث ، فعلى هذا يسلم الاستدلال ويسقط الاعتراض .

                                                                                                                                            والثاني : أن تعليل الشافعي كلما توجه إلى السبب الذي يشترك فيه الوارث والموروث إذا منع من أن يكون وارثا منع من أن يكون موروثا كالكفر والردة : لأن المعنى في قطع التوارث به قطع الموالاة بينهما ، وهذا معنى يشترك فيه الوارث والموروث .

                                                                                                                                            فأما المعنى الذي يختص به الموروث وحده فلا ، ألا ترى أن القاتل لا يرث وهو يورث ؟ لأن المعنى الذي منعه من الميراث خص به وغير متعد إلى وارثه ، وهكذا الذي نصفه حر قد اختص بالمعنى المانع دون وارثه ، فجاز أن يكون موروثا ولم يجز أن يكون وارثا .

                                                                                                                                            وأما فساد استدلاله في أنه يجب أن يرث بقدر حريته كما يورث بقدر حريته فهو أن الكمال يجب أن يكون مراعا في الوارث دون الموروث : فلذلك جعلناه موروثا : لأن وارثه كامل ولم نجعله وارثا لأنه ليس بكامل ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية