الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ( ولو ) أوصى لوارث وأجنبي فلم يجيزوا فللأجنبي النصف ويسقط الوارث " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وللورثة أن يعترضوا في الوصية من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : فيما زاد على الثلث ؛ لأنه غاية ما يستحقه الميت من جملة ماله بالوصية ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد : الثلث والثلث كثير ، فإن أوصى بأكثر من الثلث ، لزمت الوصية في الثلث وكانت الزيادة عليه موقوفة على إجازة الورثة وردهم .

                                                                                                                                            والثاني : في اعتراض الورثة الوصية لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث .

                                                                                                                                            فإن أوصى لوارث فمذهب المزني وهو أحد قولي الشافعي مخرج من كلام له في بعض كتبه أنها باطلة ، لا تصح وإن أجازها الورثة ؛ للنهي عنها ولثبوت الحكم بنسخها . والقول الثاني وهو الذي نص عليه الشافعي في جميع كتبه : أنها موقوفة على إجازة الورثة كالزيادة على الثلث .

                                                                                                                                            وعلى هذا القول يكون التفريع ، فعلى هذا لو أوصى لوارث بثلث ماله ، ولأجنبي بثلث ماله ، فقد استحق الورثة المنع في الوجهين من الزيادة على الثلث لوارث وغير وارث ، ومن الوصية لوارث ، وإن احتملها الثلث ، وإذا كان كذلك : فللورثة أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يجيزوا الأمرين : الوصية للوارث ، والزيادة على الثلث ، فتمضي الوصية لهما بالثلثين .

                                                                                                                                            [ ص: 214 ] والحال الثانية : أن يجيزوا الزيادة على الثلث ، ويمنعوا الوصية للوارث فيأخذ الأجنبي الثلث كاملا ، لأنهم لم يعترضوا عليه في الزيادة ، وكملت وصيته .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يردوا الزيادة على الثلث ويجيزوا الوصية للوارث ، فيكون الثلث بين الأجنبي والوراث نصفين ، ويأخذ كل واحد منهما سدسا ، لاشتراكهما فيما رجعت إليه الوصية .

                                                                                                                                            والحال الرابعة : أن يردوا الزيادة على الثلث ، ويمضوا الوصية للوارث ، فيكون للأجنبي السدس ؛ لأن ما زاد مردود في حقهما معا ، فصار الثلث لهما ، ثم منع الوارث منه ، فصار سهمه ميراثا وأخذ الأجنبي سهمه منه لو كان الوارث له مشاركا .

                                                                                                                                            فلو كانت الوصية لأجنبي ووارثين ولم يجيزوا ، كان للأجنبي ثلث الثلث ؛ لأنه أحد ثلاثة أشركوا في الثلث ، ولو كانت لأجنبيين ووارث كان لهما ثلث الثلث .

                                                                                                                                            والاعتبار بكونه وارثا عند الموت لا وقت الوصية ، فعلى هذا لو كان وارثا ، ثم صار عند الموت غير وارث صحت له الوصية ، ولو أوصى له وهو غير وارث ، ثم صار عند الموت وارثا ردت الوصية .

                                                                                                                                            ولو أوصى لامرأة أجنبية ثم تزوجها بطلت الوصية ، ولو أوصى لزوجته ثم طلقها صحت الوصية ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية