الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا اشترى الرجل أباه في مرض موته بمائة درهم هي قدر ثلثه ؛ لأنه لا يملك سوى ثلاثمائة درهم عتق عليه من الثلث ولم يرثه ؛ لأن عتقه إذا كان في الثلث وصية ولا يجمع له بين الوصية والتوريث ، ولو ورث لمنع الوصية ولو منعها لبطل العتق والشراء ، وإذا بطل العتق والشراء بطل الميراث ، فلما كان توريثه يفضي إلى إبطال الوصية والميراث ، أثبتنا الوصية وأبطلنا الميراث .

                                                                                                                                            فلو اشترى بعد أن عتق أبوه عبدا بمائة درهم وأعتقه كان عتقه باطلا ؛ لأنه قد اشترى ثلثه بعتق أبيه ، فرد عليه عتق من سواه .

                                                                                                                                            ولو كان قبل شراء أبيه أعتق عبدا هو جميع ثلثه ، ثم اشترى أباه وليس له ثلث يحتمله ولا شيئ منه ، ففيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أن الشراء باطل ؛ لأنه لو صح لثبت الملك ، ولو ثبت الملك لنفذ العتق والعتق لا ينفذ جبرا فيما جاوز الثلث ، فكذلك كان الشراء باطلا ، وسواء أفاد بعد ذلك ما خرج ثمن الأب من ثلثه أو لم يفد ، لفساد العقد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن الشراء لازم صحيح ؛ لأنه لم يقترف بالعقد ما يفسده ، وإنما عتقه بالملك حال يختص بالعاقد ، فلم يؤثر في فساد العقد .

                                                                                                                                            فعلى هذا يستبقى رق الأب على ملك ولده ، وإن أفاد ما يخرج به من ثمن الأب من ثلثه عتق ولم يرث ، وإن لم يستفد شيئا كان على رقه ، فإذا مات الابن المشتري صار الأب موروثا لورثة ابنه .

                                                                                                                                            فإن كانوا ممن يعتق عليهم الأب لأنهم إخوة أو بنون ، عتق عليهم بملكهم له بالميراث .

                                                                                                                                            وإن لم يكن الورثة ممن يعتق عليهم الأب ، لأنهم أعمام ، أو بنو أعمام كان ملكهم موقوفا .

                                                                                                                                            [ ص: 276 ] والوجه الثالث : أن الشراء موقوف ، فإن أفاد الابن ما يخرج به عن الأب من ثلثه ، عتق عليه ولم يرثه وإن أبرأه البائع من ثمنه ، عتق عليه ؛ لأنه صار كالموهوب له ، وفي ميراثه وجهان ؛ لأن عتقه عليه بغير ثمن .

                                                                                                                                            وإن لم يفد شيئا ولا أبرئ من ثمنه ، فسخ البيع حينئذ ورد الأب على البائع ؛ لأنه لا يجوز أن يملك الابن أباه ، فلا يعتق عليه ؛ فلذلك فسخ العقد فيه .

                                                                                                                                            والوجه الأول حكاه أبو حامد الإسفراييني ، والوجه الثاني والثالث حكاهما ابن سريج .

                                                                                                                                            فعلى هذا لو اشترى الابن أباه في مرض موته وثمنه خارج من ثلثه ، ثم مات وعليه دين يستوعب جميع تركته ، فإن أمضى الغرماء ما أعتقه نفذ ، وإن ردوه فهو على الرق ، وفي بطلان الشراء وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : باطل ، لئلا يستبقى ملك الابن لأبيه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : جائز ويباع في دينه ، لعجز الثلث عن ثمنه .

                                                                                                                                            ثم يتفرع على هذا : لو وهب أباه في مرض موته ، فقبله وقبضه وكانت عليه ديون تستوعب جميع تركته ، لم تبطل الهبة . وهل ينفذ عتقه ، أو يباع لديون غرمائه ؟ على وجهين : أحدهما أن عتقه نافذ ؛ لأنه لم يستهلك على غرمائه من ماله شيئا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن عتقه يرد كما يرد عتق المباشرة وتباع ديون غرمائه ؛ لأن ديونهم مقدمة على العتق في المرض ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية