الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو انهدمت في حياة الموصي كانت له إلا ما انهدم منها ، فصار غير ثابت فيها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في رجل أوصى لرجل بدار فانهدمت ، فلا يخلو انهدامها من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن تنهدم في حياة الموصي .

                                                                                                                                            والثاني : بعد موته وبعد قبول الموصى له .

                                                                                                                                            والثالث : بعد موته وقبل قبول الموصى له .

                                                                                                                                            فإن انهدمت في حياة الموصي ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدها : أن يزول اسم الدار عنها بالانهدام .

                                                                                                                                            والثاني : ألا يزول ، فإن لم يزل اسم الدار عنها لبقاء بنيان فيها يسمى به دارا فالوصية جائزة وله ما كان ثابتا فيها من بنيانها .

                                                                                                                                            فأما المنفصل عنها بالهدم ، فالذي نص عليه الشافعي : أنه يكون خارجا عن الوصية .

                                                                                                                                            فذهب جمهور أصحابنا إلى حمل ذلك على ظاهره وأنه خارج عن الوصية ؛ لأن ما انفصل عنها دار ، فلم يكن للموصى له بالدار فيه حق .

                                                                                                                                            وحكي عن أبي القاسم بن كج وجه آخر عن بعض أصحابنا أن نص الشافعي على خروج ما انهدم من الوصية محمول على أنه هدمه بنفسه ، فصار ذلك رجوعا فيه .

                                                                                                                                            ولو انهدم بسبب من السماء ، لا ينسب إلى فعل الموصي وكان ما انفصل بالهدم للموصى له مع الدار لأنه منها ، وإنما بان عنها بعد أن تناولته الوصية وإن كانت الدار بعد انهدامها لا تسمى دارا ؛ لأنها صارت عرصة لا بناء فيها ، ففي بطلان الوصية وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا تبطل ، وهذا قول من جعل الآلة بعد انفصالها ملكا للموصى له .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن الوصية بها باطلة وهو الأصح ؛ لأنها صارت عرصة لم تسم دارا .

                                                                                                                                            ألا ترى لو حلف لا يدخلها ، لم يحنث بدخوله عرصتها بعد ذهاب بنائها .

                                                                                                                                            وهذا قول من جعل ما انفصل عنها غير داخل في الوصية .

                                                                                                                                            فإن كان انهدامها ، بعد موت الموصي وبعد قبول الموصى له فالوصية بها ممضاة وجميع ما انفصل من آلتها كالمتصل ، يكون ملكا للموصى له لاستقرار ملكه عليه بالقبول .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية