الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " فإن كملها أعمى لا يقدر على القتال أبدا أو منقوص الخلق لا يقدر على القتال أبدا ، لم يفرض له فرض المقاتلة وأعطي على كفاية المقام وهو شبيه بالذرية " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا بلغ الصغار من ذرية أهل الفيء بالاحتلام أو باستكمال خمس عشرة سنة ، لم يخل حالهم من أحد أمرين : إما أن يكونوا قادرين على القتال ، أو عاجزين عنه ، فإن كانوا قادرين عليه خرجوا من جملة الذرية ، سواء كانوا من ذرية أموات أو أحياء ، لما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه جعل البلوغ فرقا بين الذرية والمقاتلة ، ولأن بلوغ الذرية يسقط نفقاتهم عن المقاتلة فخرجوا من جملة الذرية ، ثم هم بالخيار بين أن يكتبوا أنفسهم في ديوان الفيء فيكونوا من أهله وبين أن لا يفعلوا فيمنعوا من الفيء ويصيروا من أهل الصدقات ، وإن كانوا فقراء ، وإن بلغوا عاجزين على القتال لعمى أو زمانة ، لم يجز أن يثبتوا في ديوان الفيء منفردين ، وهل يبقوا على حكم الذرية في إعطائهم مال الفيء تبعا أم لا ؟ على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أنهم باقون على حكم الذراري في منعهم من مال الصدقة وإعطائهم قدر الكفاية بين مال الفيء ، سواء كانوا ذرية لأحياء أو لأموات ، استصحابا لما تقدم في حكمهم .

                                                                                                                                            الوجه الثاني : أنهم قد خرجوا في حكم الذراري لتميزهم بالبلوغ ويعدل بهم إلى مال الصدقات إن كانوا من أهلها ، وسواء كانوا ذرية لأحياء أو لأموات .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أنهم إن كانوا من ذرية أموات منعوا من مال الفيء وعدل بهم إلى مال الصدقات ، وإن كانوا من ذرية أحياء بقوا في مال الفيء على حكم الذراري ومنعوا مال الصدقات : لأن الحي يجوز أن يكون متبوعا في مال الفيء لبقاء عطائه ، والميت لا يجوز أن يكون متبوعا فيه لسقوط عطائه ، والأصح عندي أن ينظر : فإن كان الذي أقعدهم عن القتال موجبا لنفقاتهم على الآباء بعد بلوغهم ، كوجوبها عليهم في صغرهم كالجنون والزمانة المانعة من الاكتساب بقوا على حكم الذراري في مال الفيء ، ولم يعدل بهم إلى مال الصدقات ، سواء كانوا ذرية أحياء أو أموات : لأن بقاء حكمهم في وجوب النفقة موجب لبقائهم [ ص: 453 ] على حكم الذرية في مال الفيء ، وإن كان ما أعجزهم عن القتال لا يوجب نفقاتهم بعد البلوغ لقدرتهم على الاكتساب مع العجز عن القتال خرجوا عن حكم الذرية في مال الفيء ، وعدل بهم إلى مال الصدقات إن كانوا من أهلها ، سواء كانوا ذرية أحياء أو أموات : لأن سقوط نفقتهم بالبلوغ تخرجهم عن حكم الذرية ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية