الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولا يسع الولاة تركه لأهل الأموال لأنهم أمناء على أخذه لأهله ولم نعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرها عاما لا يأخذها فيه . وقال أبو بكرالصديق - رضي الله عنه - : لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الأموال ضربان : ظاهرة وباطنة ، فالظاهرة هي المواشي والزروع والمعادن ، والباطنة الذهب والورق وعروض التجارات .

                                                                                                                                            [ ص: 472 ] فأما الباطنة : فأرباب التجارات وسائر الأموال الباطنة ؛ فصاحبها بالخيار في تفريقها بنفسه ، أو دفعها إلى الإمام العادل ليتولى تفريقها بنفسه ، ولا يلزم دفعها إليه وهو قول الجمهور ، وأما الظاهرة ففيها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : قاله في القديم ، إن على أربابها دفع زكاتها إلى الإمام ولا يجزئهم تفريقها بأنفسهم وبه قال مالك وأبو حنيفة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو قوله في الجديد ، إن أربابها بالخيار في دفعها إلى الإمام ، أو تفريقها بأنفسهم ودليل قوله في القديم أن دفعها إلى الإمام واجب وهو مذهب مالك وأبي حنيفة . قوله تعالى : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم [ التوبة : 103 ] وإذا دلت هذه الآية على أن على الإمام الأخذ دلت على أن على الأرباب الدفع ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها على فقرائكم فدل ذلك من قوله على مثل ما دلت عليه الآية ، وقال أبو بكر - رضي الله عنه - في مانعي الزكاة : لو منعوني عناقا أو عقالا مما أعطوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه . فوافقته الصحابة بعد مخالفته ، فدل على أن عليه الأخذ وعليهم الدفع بإجماع الصحابة ، ولأنه حق يتعلق بالمال الظاهر ، يصرف إلى الأصناف على أوصاف ؛ فوجب أن يكون تفرد الإمام به شرطا في إجزائه كالخمس .

                                                                                                                                            ودليلنا ، قوله في الجديد إن تفرد أربابها بتفريقها يجوز لقوله تعالى : إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم [ البقرة : 271 ] فجعل كلا الأمرين مجزءا . وقوله تعالى : الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية [ البقرة : 274 ] فدل عموم الآيتين على جواز إخراج الصدقات فرضا ونفلا من غير تخصيص .

                                                                                                                                            وروي أن أبا ثعلبة الخشني حمل صدقته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فردها وحملها إلى أبي بكر فردها وحملها إلى عمر فردها ، فلو كان تفرده بإخراجها لا يجزئه لما استجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ردها عليه : لأن فيه تضييعا لها من غير إجزاء ؛ ولأنه مال مخرج على وجه الطهرة ، فجاز أن ينفرد أربابه بإخراجه كالكفارات ، ولأن ما أخرج زكاة لم يجز دفعه إلى الإمام كالمال الباطن ، ولأن من جاز له أن ينفرد بإخراج زكاة المال الباطن جاز له أن ينفرد بإخراج زكاة المال الظاهر كالإمام .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية