مسألة : قال الشافعي : " قيل لا إنما نعطيكم بأي المعنيين شئتم ، فإذا أعطيناه باسم الفقر فلغرمائه أن يأخذوا مما في يديه حقوقهم ، وإذا أعطيناه بمعنى الغرم أحببت أن يتولى دفعه عنه ، وإلا فجائز كما يعطى المكاتب ، فإن قيل : ولم لا يعطى بمعنيين : قيل الفقير مسكين والمسكين فقير يجمعهما اسم ويتفرق بهما اسم فلا يجوز أن يعطى إلا بأحد المعنيين ، ولو جاز ذلك جاز أن يعطى رجل بفقر وغرم وبأنه ابن سبيل وغاز ومؤلف فيعطى بهذه المعاني كلها ؛ فالفقير هو المسكين ومعناه ألا يكون غنيا بحرفة ولا مال ، فإذا جمعا معا فقسم لصنفين بهما لم يجز إلا أن يفرق بين حاليهما بأن يكون الفقير الذي بدئ به أشدهما فقرا ، وكذلك هو في اللسان " . وإذا كان فيهم غارمون لا أموال لهم فقالوا أعطنا بالغرم والفقر ،
قال الماوردي : وصورتها في رجل من أهل الصدقات جمع بين سببين يستحق بكل واحد منهما سهما فيهما كغارم فقير وعامل مسكين طلب أن يعطى بالفقر أو بالغرم ، أو بالعمالة والمسكنة ، فالذي نص عليه الشافعي في هذا الموضع وأكثر كتبه أنه لا يجوز أن يجمع له بهما ولا يعطى إلا بأحدهما ، وقال في كتاب فرض الزكاة من قسم الصدقات : أنه يجوز أن يعطى بالسببين ، فاختلف أصحابنا في ذلك على ثلاثة مذاهب : أحدهما وهو قول أبي حامد الإسفراييني وكثير من البغداديين : أن ذلك على قولين لاختلاف نصه في الموضعين .
أحد القولين : أنه لا يجوز أن يعطى إلا بأحد السببين وهذا هو الأشهر . قوله : والأصح من مذهبه لئلا يؤدي ذلك إلى الأخذ بجميع الأسباب كما لا يورث المجوسي إذا اجتمعت له قرابتان إلا بأحدهما .
والقول الثاني : يجوز أن يعطى بهما معا : لأنه لما جاز أن يأخذ بالسبب الواحد إذا انفرد به جاز أن يأخذ بالسببين إذا اجتمعا فيه وكما يجوز أن يورث الزوج إذا كان ابن عم لها بالسببين .
والمذهب الثاني : قاله أبو حامد المروزي وجمهور البصريين : أن ذلك على قول واحد لا يعطى إلا بأحدهما ولا يجمع له بينهما ، وما قاله في فرض الزكاة من جواز إعطائه بالسببين محمول على أنه من زكاتين .
والمذهب الثالث : أنه يجوز أن يعطى بالسببين إذا اختلفا ولا يجوز أن يعطى بهما إذا [ ص: 541 ] اتفقا ، فاختلافهما أن يكون أحدهما لحاجته إلينا والآخر لحاجتنا إليه كالعامل إذا كان فقيرا والغازي إذا كان مسكينا ، واتفاقهما أن يكونا معا لحاجته إلينا كالفقير إذا كان غارما والمسكين إذا كان مكاتبا ، كما أنه لا يورث أحد بسببين متفقين كفرضين أو نصيبين ويورث بسببين مختلفين من فرض وتعصيب ، فإذا تقرر هذا وقيل : إنه لا يعطى بهما وكان فقيرا غارما ، خير في إعطائه بأي السببين شاء من فقر وغرم ، فإن اختار أن يعطى بالفقر سلم إليه وكان لصاحب الدين أن يأخذه من دينه ، وإن اختار أن يعطى بالغرم جاز أن يسلم إليه وجاز أن يعطيه لصاحب الدين بأمره .
فإن قيل : فأيهما أولى ؟ قلنا : إن كان بقدر دينه كله فأولى دفعه إلى صاحب الدين ، وإن كان أقل فالأولى دفعه إلى الغارم لعله أن يتجر به فينمى ، وإن قيل : يجوز أن يعطى بالسببين ، أعطي بالفقر والغرم ، فإن كان في سهم الغرم وفاء لدينه استبقي سهم الفقر ، وإن كان يعجز عن دينه كان له أن يأخذ منه سهم الفقر ليستوفي دينه ، والله أعلم بالصواب .