فصل : فإذا ثبت ما وصفنا من واستحباب السورة فلا يجوز أن يقرأ بالفارسية ولا وجوب الفاتحة وأجازه بلغة غير العربية أبو حنيفة إن أحسن العربية أو لا يحسنها ، وأجازه أبو يوسف ومحمد ، لمن لا يحسن العربية دون من يحسنها
واستدلوا بقوله تعالى : إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى [ الأعلى : 192 ] وبقوله : وإنه لفي زبر الأولين [ الشعراء : 196 ] فأخبر أنه كان في صحفهم وزبرهم ، ومعلوم أنها لم تكن بالعربية وإنما كانت بلغتهم فبعضها عبراني ، وبعضها سرياني وقال تعالى : وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم [ الأنعام 19 ] فأخبر أنه إنذار للكافة من العرب ، والعجم ، ولا يمكن إنذار العجم إلا بلسانهم ، ولا يكون نذير إليهم إلا بلغتهم ، فدل على جواز قراءته بغير العربية : ليصير نذيرا للكافة وروي أن عبد الله بن مسعود كان يعلم صبيا : إن شجرة الزقوم طعام الأثيم [ الدخان : 43 ] . فكان الصبي يقول : طعام اليتيم فقال له : قل طعام الفاجر ، لأن معناهما واحد ، فدل على أن المقصود هو المعنى . قالوا : ولأن الذكر المستحق في الصلاة قرآن ، وغير قرآن ، فلما جاز أن جاز أن يأتي بالقرآن بغير العربية ، ولأن العجز عن القرآن يوجب الانتقال إلى مثله [ فكان معنى القرآن أقرب إليه من التسبيح والتهليل ] فكان أولى أن لا يكون بدلا منه يأتي بالأذكار التي ليست بقرآن بغير العربية
ودليلنا قوله تعالى : قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله [ الإسراء : 88 ] . وهذا القارئ بغير العربية لا يخلو حاله من ثلاثة أحوال ، إما أن يكون هو القرآن بعينه ، وهذا محال ، أو يكون مثل القرآن ، وهذا رد على الله تعالى [ ص: 114 ] وعناد له ، أو يكون ليس بقرآن ، ولا مثله فمن قال لم تجز صلاته : لأنها إنما تجزئ بالقرآن لا بغيره وقال تعالى : بلسان عربي مبين [ الشعراء : 195 ] . فنفى عنه غير العربية ، وقال تعالى : إنا جعلناه قرآنا عربيا [ الزخرف : 3 ] . وأبو حنيفة يجعله قرآنا فارسيا ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أحبوا العرب لثلاث : لأني عربي ، ولأن القرآن عربي ، ولأن لسان أهل الجنة عربي
وروى عبد الله بن أبي أوفى قال : . قال : قل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله . قال : يا رسول الله ، هذا لله تعالى فما لي قال : قل : اللهم ارحمني وعافني واهدني وارزقني ، فلما قام قال : هكذا بيده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد ملأ يديه من الخير لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزيني فموضع الدليل [ منه ] : أنه لو جاز العدول من القرآن إلى معناه لأمره النبي صلى الله عليه وسلم به ولم يعدل به إلى التحميد ، والتكبير ، ولأن كل كلام لم يكن في جنسه إعجاز لم يجز أن ينوب مناب القرآن ، كالشعر ، ولأنه لو جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لم يجز ، فإذا أبدله بالكلام العجمي أولى أن لا يجزئه أبدل ألفاظ القرآن بما في معناه من الكلام العربي
فأما الجواب عن قوله سبحانه : إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى [ الأعلى : 18 ، 19 ] . وإنه لفي زبر الأولين [ الشعراء : 196 ] . فهو أنه ليس براجع إلى القرآن ، لأن القرآن لم ينزل إلا على محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة
وأما الجواب عن قوله تعالى : وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [ الأنعام : 19 ] . فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : وإن كان إنذارا للكافة ، فالتحقيق به إنما توجه إلى العرب الذين هم أهل الفصاحة باللسان دون العجم ، لأنهم إذا عجزوا عن لسانهم كانت العجم عنه أعجز فصار إنذارا للعرب بعجزهم ، وإنذارا للعجم بعجز من هو أقدر عليه منهم
والجواب الثاني : أن الإنذار به يكون بالنظر فيه وتأمل إعجازه ، والعجم إذا أرادوا ذلك لتوصلوا إليه بمعاطاة العربية ليتوصلوا بمعرفتها ، فإن قيل فعلى هذا الجواب يلزم جميع العجم أن يتعلموا العربية ، لأنها إنذار لهم قلنا : إنما كان يلزمهم أن لو لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم معجزة غيره ، وأما وله غير من المعجزات التي يستدلون بها على نبوته ، وصدق رسالته ، وإن كان عجما يفقهون العربية فلا يلزمهم
[ ص: 115 ] وأما استدلالهم بحديث ابن مسعود فكان مقصوده التنبيه على المعنى ليفهم اللفظ على صيغته : لأننا أجمعنا أن إبداله باللفظ العربي لا يجوز
وأما استدلالهم بجواز الذكر بالفارسية فقد تقدم الفرق بينهما ، إذ ليس في سائر الأذكار إعجاز يزول بنقله إلى غير العربية
وأما استدلالهم أن معنى القرآن أقرب إليه وأولى من التسبيح ، والتكبير ففيه جوابان :
أحدهما : أن يقلب عليهم فيقال لهم التسبيح بالكلام العربي أقرب إلى القرآن من الكلام العجمي
والثاني : يقال نحن لم نجعل التسبيح بدلا من القرآن ، وإنما أسقطنا به فرض القراءة في الصلاة للعجز عنها