فصل :
nindex.php?page=treesubj&link=11753واستدل أبو حنيفة على أن طلاق الثلاث محرم وإن كان واقعا بقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة [ الطلاق : 1 ] .
فتضمنت هذه الآية تفريق الطلاق في الأطهار من وجهين :
أحدهما : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1وأحصوا العدة وإحصاؤها إنما يكون انتظارا لوقوع الطلاق فيها .
[ ص: 119 ] والثاني : قوله تعالى فيها
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا يريد به الرجعة والرجعة لا تكون في الثلاث . وإنما تكون فيما دون الثلاث .
وبقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطلاق مرتان [ البقرة : 229 ] ، . فدل على أنه يجوز فيه أن يكون مرة .
وبما روي
عن عبد الله بن عمر أنه قال : طلقت امرأتي وهي حائض فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هكذا أمرك ربك إنما السنة أن تستقبل بها الطهر ثم تطلقها في كل قرء طلقة وبما رواه
الحسن عن ابن عمر أنه قال : طلقت امرأتي وهي حائض طلقة وأردت أن أتبعها طلقتين فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : راجعها فقلت أرأيت لو طلقتها ثلاثا ؟ فقال : كنت قد أبنت زوجتك وعصيت ربك . فلولا أن جمع الثلاث محرم ما كان به عاصيا .
وبما رواه
إبراهيم عن عبد الله بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده أنه قال : طلق بعض آبائي امرأته ألفا . فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إن أبانا طلق أمنا ألفا فهل له من مخرج ؟ فقال : إن أباكم لم يتق الله في ما فعل فيجعل له من أمره مخرجا بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبعة وتسعون إثم في عنقه . قال : ولأنه إجماع الصحابة . روي أن
عمر بن الخطاب كان إذا أتي برجل طلق امرأته ثلاثا أوجع ظهره .
وأن رجلا أتى
عبد الله بن عباس فقال : إن عمي طلق امرأته ثلاثا فقال
ابن عباس إن عمك عصى الله فأندمه . وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا وأن
عليا وابن عباس أنكراه فكان إجماعا ، لعدم المخالف فيه .
ولأنه عدد يتعلق به البينونة فوجب أن يتكرر كاللعان .
ودليلنا على الفريقين قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة [ 236 ] .
فكان رفع الجناح عنه من غير تمييز لعدد يوجب التسوية بين الأعداد .
[ ص: 120 ] وروى
سهل بن سعد الساعدي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته قال : كذبت عليها إن أمسكتها ، هي طالق ثلاثا .
فلو كان الجمع بين الطلاق والثلاث محرما لأبانه صلى الله عليه وسلم وأنكره ، لأنه لا يقر على منكر .
وروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=924101أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته البتة . فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : ما أردت بالبتة قال واحدة فأحلفه أنه ما أراد أكثر منها فدل على وقوع الثلاث لو أرادها من غير تحريم .
وروى
سلمة بن أبي سلمة عن أبيه
nindex.php?page=hadith&LINKID=924102أن حفص بن عمرو بن المغيرة طلق nindex.php?page=showalam&ids=11129فاطمة بنت قيس ثلاثا بكلمة واحدة . فلم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأن
عبد الرحمن بن عوف طلق
تماضر بنت الأصبغ الكلبية ثلاثا في مرضه فلم ينكره الصحابة عليه ،
وتماضر هي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن ، فدل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة بعده على إباحة الجمع بين الثلاث ، وروي عن
الحسن بن علي أن امرأته
عائشة الخثعمية قالت له بعد قتل أبيه : لتهنك الخلافة يا أمير المؤمنين فقال لها : أويقتل أمير المؤمنين وتشمتين اذهبي فأنت طالق ثلاثا ، فلم ينكر ذاك أحد من الصحابة فدل على إباحته عندهم .
وروي عن
علي رضي الله عنه أنه سئل عمن طلق امرأته مائة طلقة فقال : ثلاثة لها وأقسم الباقي على نسائها .
ومن القياس أنه طلاق وقع في طهر لم يجامعها فيه فوجب أن يكون مباحا كالطلقة الأولى ، ولأن كل طلاق جاز تفريقه جاز جمعه . أصله طلاق الزوجات يجوز أن يجمعهن في الطلاق وأن يفرقهن .
ولأن كل طلاق جاز تفريقه في الأطهار جاز إيقاعه في طهر . أصله إذا طلق في طهر ثم راجع فيه ثم طلقها فيه ثم راجع ثم طلقها فيه ثم راجع .
[ ص: 121 ] ولأن الثلاث لفظ يقطع الرجعة فجاز إيقاعه في طهر جامع فيه كالواحدة بعد اثنتين أو كالخلع .
فأما الجواب عن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطلاق مرتان فمن وجهين :
أحدهما : أن المقصود به عدد الطلاق ، وأنه ثلاث وأنه يملك الرجعة بعد اثنتين ولا يملكها بعد الثالثة حتى تنكح زوجا غيره ولم يرد به تفريق الطلاق أو جمعه .
والثاني : أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطلاق مرتان يقتضي في وقت واحد لا في وقتين كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=31نؤتها أجرها مرتين [ الأحزاب : 31 ] يعني أجرين في وقت واحد . لا في وقتين . وهم يحرمون وقوع الطلقتين في وقت كما يحرمون وقوع الثلاث .
وأما الجواب عن الاستدلال بحديث
ابن عمر . فهو أنه لم يطلق إلا واحدة في الحيض وقول النبي صلى الله عليه وسلم : لو طلقتها ثلاثا كنت قد أبنت امرأتك وعصيت ربك . يعني بإيقاعهن في الحيض لا بالجمع بينهن .
وأما أمره له في الخبر الثاني أن يطلق في كل طهر واحدة فعلى طريق الاستحباب والندب .
وأما الجواب عن حديث
البراء بن عازب فمن وجهين :
أحدهما : أن
الدارقطني رواه وذكر أنه ضعيف مجهول الراوي .
والثاني : أن قوله : طلقها على غير السنة : لأنه طلقها ألفا وهو لا يملك إلا ثلاثا .
وأما الجواب عن استدلالهم بالإجماع فهو غير منعقد بمن ذكرنا خلافه من الصحابة وقد اختلفت الرواية عن
ابن عباس ، روى
سعيد بن جبير أن رجلا أتى
ابن عباس فقال : إني طلقت امرأتي ألفا فقال : أما ثلاث فتحرم عليك امرأتك ، وبقيتهن وزرا اتخذت آيات الله هزوا .
وأما الجواب عن قياسهم على اللعان فمن ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الفرقة لا تقع على قولهم باللعان حتى يوقعها الحاكم فلم يجز أن يكون أصلا لما يوقع الفرقة .
والثاني : أن عدد اللعان لا يصح مجموعه فوجب تفريقه . والطلاق يصح مجموعه فلم يجب تفريقه .
والثالث : أنه لما جاز عدد اللعان في وقت واحد اقتضى أن يجوز عدد الطلاق في وقت واحد .
وأما استدلال من أنكر وقوع الثلاث بحديث
ابن عباس عن
عمر : فهو ضعيف لا يعرفه أصحاب الحديث . ولو سلمناه لاحتمل قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924103كان الطلاق على عهد رسول [ ص: 122 ] الله صلى الله عليه وسلم وأيام أبي بكر وصدر من خلافة عمر واحدة فقال عمر : قد استعجلتم في أمر كان لكم فيه أناة . وجعله ثلاثا .
فمن قال لامرأته : أنت طالق أنت طالق أنت طالق فإنه إن أراد بالثانية والثالثة طلقت واحدة . وإن أراد الاستئناف طلقت ثلاثا .
وإن لم يكن له إرادة فعلى قولين :
أحدهما : قاله في الإملاء تطلق واحدة .
والثاني : قاله في " الأم " تطلق ثلاثا .
فعلم
عمر أنهم كانوا يريدون به التأكيد فتكون واحدة ، ثم صاروا يريدون به التأكيد فجعلها ثلاثا . وإنما حملناه على هذا الاحتمال مع بعده : لأن
عمر لا يجوز أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء عمله من دينه . ولو خالفه لما أقرته الصحابة على خلافه .
ألا تراه يقول : لا تغالوا في صدقات النساء فلو كانت مكرمة لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقامت إليه امرأة فقالت : يعطينا الله وتمنعنا يا
ابن الخطاب قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=20وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا [ النساء : 20 ] ، فقال
عمر : كل الناس أفقه من
عمر حتى امرأة ليفعل الرجل بماله ما شاء . وهم أن يخالف بين ديات الأصابع حتى ذكر له عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924104في اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية وفي كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل . فرجع . عما هم به وسوى بين دياتها .
وأما استدلالهم بما رووه
عن ابن عمر أنه طلق امرأته ثلاثا ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها فلا يعرفه أهل الحديث . وإنما الخبر أنه قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=924105أرأيت لو طلقتها ثلاثا ؟ فقال كنت قد أبنت امرأتك وعصيت ربك .
ولو صح لكان محمولا على أنه طلقها ثلاثا في ثلاثة أوقات . فأمره بالرجعة في إحداهن بل قد روي أنه طلقها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلقها ثانية على عهد
أبي بكر ، ثم طلقها ثالثة في زمن
عمر . فضبط الرواة طلاقه على ما ذكرنا . فاقتضى أن يكون رواية من أطلق محمولة على هذا البيان والله أعلم بالصواب .
فَصْلٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=11753وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [ الطَّلَاقِ : 1 ] .
فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَفْرِيقَ الطَّلَاقِ فِي الْأَطْهَارِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَإِحْصَاؤُهَا إِنَّمَا يَكُونُ انْتِظَارًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهَا .
[ ص: 119 ] وَالثَّانِي : قَوْلُهُ تَعَالَى فِيهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا يُرِيدُ بِهِ الرَّجْعَةَ وَالرَّجْعَةُ لَا تَكُونُ فِي الثَّلَاثِ . وَإِنَّمَا تَكُونُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ .
وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ [ الْبَقَرَةِ : 229 ] ، . فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَرَّةً .
وَبِمَا رُوِيَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَكَذَا أَمَرَكَ رَبُّكَ إِنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ بِهَا الطُّهْرَ ثُمَّ تُطَلِّقَهَا فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً وَبِمَا رَوَاهُ
الْحَسَنُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ طَلْقَةً وَأَرَدْتُ أَنْ أُتْبِعَهَا طَلْقَتَيْنِ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : رَاجِعْهَا فَقُلْتُ أَرَأَيْتَ لَوْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا ؟ فَقَالَ : كُنْتَ قَدْ أَبَنْتَ زَوْجَتَكَ وَعَصَيْتَ رَبَّكَ . فَلَوْلَا أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ مَا كَانَ بِهِ عَاصِيًا .
وَبِمَا رَوَاهُ
إِبْرَاهِيمُ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ : طَلَّقَ بَعْضُ آبَائِي امْرَأَتَهُ أَلْفًا . فَانْطَلَقَ بَنُوهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا إِنَّ أَبَانَا طَلَّقَ أُمَّنَا أَلْفًا فَهَلْ لَهُ مِنْ مَخْرَجٍ ؟ فَقَالَ : إِنَّ أَبَاكُمْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فِي مَا فَعَلَ فَيَجْعَلَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ مَخْرَجًا بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ وَتِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعُونَ إِثْمٌ فِي عُنُقِهِ . قَالَ : وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ . رُوِيَ أَنَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابَ كَانَ إِذَا أُتِيَ بِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَوْجَعَ ظَهْرَهُ .
وَأَنَّ رَجُلًا أَتَى
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : إِنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ عَمَّكَ عَصَى اللَّهَ فَأَنْدَمَهُ . وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَأَنَّ
عَلِيًّا وَابْنَ عَبَّاسٍ أَنْكَرَاهُ فَكَانَ إِجْمَاعًا ، لِعَدَمِ الْمُخَالِفِ فِيهِ .
وَلِأَنَّهُ عَدَدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَتَكَرَّرَ كَاللِّعَانِ .
وَدَلِيلُنَا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [ 236 ] .
فَكَانَ رَفْعُ الْجُنَاحِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ لِعَدَدٍ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْأَعْدَادِ .
[ ص: 120 ] وَرَوَى
سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا لَاعَنَ بَيْنَ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ قَالَ : كَذَبْتَ عَلَيْهَا إِنْ أَمْسَكْتَهَا ، هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا .
فَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالثَّلَاثِ مُحَرَّمًا لَأَبَانَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْكَرَهُ ، لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى مُنْكَرٍ .
وَرُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=924101أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ . فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ : مَا أَرَدْتَ بِالْبَتَّةِ قَالَ وَاحِدَةً فَأَحْلَفَهُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ أَكْثَرَ مِنْهَا فَدَلَّ عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ لَوْ أَرَادَهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ .
وَرَوَى
سَلَمَةُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=924102أَنَّ حَفْصَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْمُغِيرَةِ طَلَّقَ nindex.php?page=showalam&ids=11129فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ . فَلَمْ يُنْكِرْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَأَنَّ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ
تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ ،
وَتُمَاضِرُ هِيَ أُمُّ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنَ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ عَلَى إِبَاحَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ ، وَرُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ امْرَأَتَهُ
عَائِشَةَ الْخَثْعَمِيَّةَ قَالَتْ لَهُ بَعْدَ قَتْلِ أَبِيهِ : لِتَهْنِكَ الْخِلَافَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَهَا : أَوَيُقْتَلُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَتَشْمَتِينَ اذْهَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَاكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَدَلَّ عَلَى إِبَاحَتِهِ عِنْدَهُمْ .
وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مِائَةَ طَلْقَةٍ فَقَالَ : ثَلَاثَةٌ لَهَا وَأَقْسَمَ الْبَاقِي عَلَى نِسَائِهَا .
وَمِنَ الْقِيَاسِ أَنَّهُ طَلَاقٌ وَقَعَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا كَالطَّلْقَةِ الْأُولَى ، وَلِأَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ جَازَ تَفْرِيقُهُ جَازَ جَمْعُهُ . أَصْلُهُ طَلَاقُ الزَّوْجَاتِ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَهُنَّ فِي الطَّلَاقِ وَأَنْ يُفَرِّقَهُنَّ .
وَلِأَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ جَازَ تَفْرِيقُهُ فِي الْأَطْهَارِ جَازَ إِيقَاعُهُ فِي طُهْرٍ . أَصْلُهُ إِذَا طَلَّقَ فِي طُهْرٍ ثُمَّ رَاجَعَ فِيهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِيهِ ثُمَّ رَاجَعَ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِيهِ ثُمَّ رَاجَعَ .
[ ص: 121 ] وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ لَفْظٌ يَقْطَعُ الرَّجْعَةَ فَجَازَ إِيقَاعُهُ فِي طُهْرٍ جَامَعَ فِيهِ كَالْوَاحِدَةِ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ أَوْ كَالْخُلْعِ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ ، وَأَنَّهُ ثَلَاثٌ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ وَلَا يَمْلِكُهَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ تَفْرِيقَ الطَّلَاقِ أَوْ جَمْعَهُ .
وَالثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ يَقْتَضِي فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا فِي وَقْتَيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=31نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ [ الْأَحْزَابِ : 31 ] يَعْنِي أَجْرَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ . لَا فِي وَقْتَيْنِ . وَهُمْ يُحَرِّمُونَ وُقُوعَ الطَّلْقَتَيْنِ فِي وَقْتٍ كَمَا يُحَرِّمُونَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ . فَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ إِلَّا وَاحِدَةً فِي الْحَيْضِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا كُنْتَ قَدْ أَبَنْتَ امْرَأَتَكَ وَعَصَيْتَ رَبَّكَ . يَعْنِي بِإِيقَاعِهِنَّ فِي الْحَيْضِ لَا بِالْجَمْعِ بَيْنَهُنَّ .
وَأَمَّا أَمْرُهُ لَهُ فِي الْخَبَرِ الثَّانِي أَنْ يُطَلِّقَ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً فَعَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّدْبِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ
الدَّارَقُطْنِيَّ رَوَاهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ مَجْهُولُ الرَّاوِي .
وَالثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ : طَلَّقَهَا عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ : لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا أَلْفًا وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إِلَّا ثَلَاثًا .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ فَهُوَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ بِمَنْ ذَكَرْنَا خِلَافَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَوَى
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى
ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ : أَمَّا ثَلَاثٌ فَتَحْرُمُ عَلَيْكَ امْرَأَتُكَ ، وَبَقِيَّتُهُنَّ وِزْرًا اتَّخَذْتَ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى اللِّعَانِ فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَقَعُ عَلَى قَوْلِهِمْ بِاللِّعَانِ حَتَّى يُوقِعَهَا الْحَاكِمُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا لِمَا يُوقِعُ الْفُرْقَةَ .
وَالثَّانِي : أَنَّ عَدَدَ اللِّعَانِ لَا يَصِحُّ مَجْمُوعُهُ فَوَجَبَ تَفْرِيقُهُ . وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ مَجْمُوعُهُ فَلَمْ يَجِبْ تَفْرِيقُهُ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ لَمَّا جَازَ عَدَدُ اللِّعَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ اقْتَضَى أَنْ يَجُوزَ عَدَدُ الطَّلَاقِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ بِحَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ
عُمَرَ : فَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يَعْرِفُهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ . وَلَوْ سَلَّمْنَاهُ لَاحْتَمَلَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924103كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ [ ص: 122 ] اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ : قَدِ اسْتَعْجَلْتُمْ فِي أَمْرٍ كَانَ لَكُمْ فِيهِ أَنَاةٌ . وَجَعَلَهُ ثَلَاثًا .
فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ طُلِّقَتْ وَاحِدَةً . وَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِئْنَافَ طُلِّقَتْ ثَلَاثًا .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ فَعَلَى قَوْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : قَالَهُ فِي الْإِمْلَاءِ تُطَلَّقُ وَاحِدَةً .
وَالثَّانِي : قَالَهُ فِي " الْأُمِّ " تُطَلَّقُ ثَلَاثًا .
فَعَلِمَ
عُمَرُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُرِيدُونَ بِهِ التَّأْكِيدَ فَتَكُونُ وَاحِدَةً ، ثُمَّ صَارُوا يُرِيدُونَ بِهِ التَّأْكِيدَ فَجَعَلَهَا ثَلَاثًا . وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ مَعَ بُعْدِهِ : لِأَنَّ
عُمَرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ عَمِلَهُ مِنْ دِينِهِ . وَلَوْ خَالَفَهُ لَمَا أَقَرَّتْهُ الصَّحَابَةُ عَلَى خِلَافِهِ .
أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ : لَا تُغَالُوا فِي صَدُقَاتِ النِّسَاءِ فَلَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : يُعْطِينَا اللَّهُ وَتَمْنَعُنَا يَا
ابْنَ الْخَطَّابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=20وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا [ النِّسَاءِ : 20 ] ، فَقَالَ
عُمَرُ : كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ
عُمَرَ حَتَّى امْرَأَةٌ لِيَفْعَلِ الرَّجُلُ بِمَالِهِ مَا شَاءَ . وَهَمَّ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ دِيَاتِ الْأَصَابِعِ حَتَّى ذُكِرَ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924104فِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ . فَرَجَعَ . عَمَّا هَمَّ بِهِ وَسَوَّى بَيْنِ دِيَاتِهَا .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِمَا رَوَوْهُ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُرَاجَعَتِهَا فَلَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ . وَإِنَّمَا الْخَبَرُ أَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=924105أَرَأَيْتَ لَوْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا ؟ فَقَالَ كُنْتَ قَدْ أَبَنْتَ امْرَأَتَكَ وَعَصَيْتَ رَبَّكَ .
وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ . فَأَمَرَهُ بِالرَّجْعَةِ فِي إِحْدَاهُنَّ بَلْ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً عَلَى عَهْدِ
أَبِي بَكْرٍ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَالِثَةً فِي زَمَنِ
عُمَرَ . فَضَبَطَ الرُّوَاةُ طَلَاقَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا . فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ رِوَايَةُ مَنْ أَطْلَقَ مَحْمُولَةً عَلَى هَذَا الْبَيَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .