الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : في تعليق الطلاق بالحيض

                                                                                                                                            وإذا قال لها وإذ هي طاهر إذا حضت فأنت طالق طلقت بدخولها في أول الحيض ويكون طلاق بدعة ، فإذا رأت الدم في زمان العادة فالظاهر أنه أول الحيض فيحكم بوقوع الطلاق ، فإن استدام يوما وليلة تحقق وقوعه ، وإن انقطع لأقل من يوم وليلة بان أنه لم يكن حيضا وأن الطلاق لم يقع ، وإن رأت الدم قبل وقت العادة فالظاهر أنه ليس بحيض ، وأن الطلاق لم يقع ، وإن استدام يوما وليلة بان أنه كان حيضا وأن الطلاق وقع بأول الدم ، ولو قال لها وهي حائض : إذا حضت فأنت طالق ، لم تطلق في بقية حيضها حتى تطهر منها ثم تحيض بعد طهرها فتطلق كما ذكرنا في الطهر ، ويكون طلاق بدعة ، لو قال لها : إذا حضت حيضة فأنت طالق ، فإن كانت طاهرا فإذا مضى بقية طهرها ثم حيضة كاملة بعدها ثم دخلت في أول الطهر الثاني طلقت وكان طلاق سنة . ولو كانت حائضا فإذا مضى بقية حيضها ثم طهر كامل ثم حيضة كاملة ثم دخلت في أول الطهر الثاني طلقت ، وكان طلاق سنة . ولو قال لها : إن كنت حائضا فأنت طالق ، فكانت طاهرا لم تطلق في الحال ولا إذا حاضت في ثاني حال . ولو قال لها أنت طالق في حيضك طلقت بالحيض في الحال .

                                                                                                                                            فإن لم تكن فبالحيض المستقبل مما قلنا في الطهر ، فلو قال : كلما حضت فأنت طالق طلقت بدخولها في الحيضة الأولى طلقة واحدة ، وبدخولها في الحيضة الثانية طلقة ثانية ، وبدخولها في الحيضة الثالثة طلقة ثالثة ، لأن لفظ " كلما " موضوع للتكرار ، ويكون الثلاث كلهن طلاق بدعة وتنقضي عدتها بدخولها في الحيضة الرابعة ، لأن لها في الثلاث حيض طهرين فتأتي بالطهر الثالث وانقضاؤه يكون بدخولها في الحيضة الرابعة ، ولو كان قال لها كلما حضت حيضة فأنت طالق ، طلقت ثلاثا بدخولها في الطهر الثالث وانقضت عدتها بدخولها في الحيضة الرابعة ، ويكون هذا طلاق سنة ، لأنه يقع في أول كل طهر .

                                                                                                                                            فصل آخر منه : وإذا قال لها : إذا حضت فأنت طالق فقالت : قد حضت فإن صدقها فيه طلقت ، وإن أكذبها فقولها فيه مقبول على نفسها ، وله إحلافها ، وقد طلقت . ولو قال لها : قد حضت . فقالت : لم أحض طلقت بإقراره . ولو قال لها : إذا حضت فضرتك عمرة طالق ، فقالت : قد حضت . فإن صدقها طلقت ضرتها ، وإن أكذبها لم تطلق ضرتها ، لأن قولها في حيضها وإن كان مقبولا على نفسها ، مع تكذيب الزوج فهو غير مقبول على غيرها إلا بتصديق الزوج . كالمودع يقبل قوله في الوديعة [ ص: 137 ] على ما ذكرنا ولا يقبل قوله في ردها على غيره . فلو قال لها : إذا حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت قد حضت فإن صدقها طلقت هي وضرتها ، وإن أكذبها طلقت هي ، ولم تطلق ضرتها لأن قولها على نفسها مقبول وعلى ضرتها غير مقبول ، فإن صدقتها الضرة على الحيض لا يؤثر تصديقها ، لكن لها إحلاف الزوج على تكذيبها ، وهو مخير في يمينه بين أن يحلف أن تلك لم تحض أو يحلف أن الضرة لم تطلق : لأن المقصود بالحيض وقوع الطلاق في أن تكون اليمين معقودة عليه .

                                                                                                                                            فصل آخر منه : ولو قال وله زوجتان : إذا حضتما فأنتما طالقتان ، فإن حاضت إحداهما لم تطلق واحدة منهما ، وإن حاضتا طلقتا . فلو قالتا قد حضنا ، فإن صدقهما طلقتا ، وإن أكذبهما لم يطلقا : لأن طلاق كل واحدة منهما بحيضها فحيض ضرتها ، وقولها وإن كان مقبولا على نفسها فقول ضرتها غير مقبول عليها ، فلو صدق إحداهما وكذب الأخرى ، طلقت المكذبة دون المصدقة : لأن المكذبة قولها مقبول على نفسها ، وقد صدق عليها ضرتها فطلقت ، فضرة المصدقة مكذبة عليها فلم تطلق .

                                                                                                                                            فلو قال وهن ثلاث إذا حضتن فأنتن طوالق ، فإذا حاضت واحدة منهن أو اثنتان لم تطلق واحدة منهن . فإذا حضن معا طلقن كلهن ، فلو قلن : قد حضن فإن صدقهن طلقن وإن كذبهن لم يطلقن ، وإن صدق واحدة وكذب اثنتين لم تطلق واحدة منهن : لأن في طلاق كل واحدة منهن مكذبة عليها . ولو صدق اثنتين وكذب واحدة طلقت المكذبة وحدها : لأنه قد صدق ضرتيها عليها ، ولا تطلق كل واحدة من المصدقتين : لأن في إحدى ضرتيها مكذبة .

                                                                                                                                            ولو كن أربعا فقال : إذا حضتن فأنتن طوالق فقلن : قد حضنا فإن صدقهن طلقن وإن كذبهن لم يطلقن ، وإن صدق واحدة وكذب ثلاثا لم يطلقن ، وكذلك لو صدق اثنتين وكذب اثنتين لم تطلق واحدة منهن : لأن طلاق كل واحدة يكون بحيضها وحيض ضرائرها الثلاث وكل واحدة من المصدقتين قد كذب عليها ضرتين ، وكل واحدة من المكذبتين قد كذب عليها ضرة ، فلو صدق ثلاثا وكذب واحدة طلقت المكذبة وحدها دون المصدقات : لأن قول المكذبة مقبول على نفسها وقد صدق ضرائرها عليها فطلقت .

                                                                                                                                            وكل واحدة من المصدقات قد كذب عليها واحدة من ضرائرها فلم تطلق .

                                                                                                                                            فصل آخر منه : وإذا كان له أربع زوجات فقال : أيتكن حاضت فضرائرها طوالق فإن حاضت واحدة منهن لم تطلق ، وطلق كل واحدة من ضرائرها واحدة : لأن حيض كل واحدة شرط في طلاق غيرها . فإن حاضت ثانية لم تطلق هي ، وطلقت الحائض الأولى واحدة ، وطلقت كل واحدة في الحيضة الثانية ثانية ثانية ، فإن حاضت ثالثة [ ص: 138 ] طلقت بها الأولى طلقة ثانية وطلقت الثانية طلقة ثانية وطلقت بها والرابعة طلقة ثالثة ، فإن حاضت الرابعة طلقت بها الأولى طلقة ثالثة ، وطلقت بها الثانية طلقة ثانية ، وطلقت بها الثالثة طلقة ثالثة ، فيطلقن ثلاثا ثلاثا ، فلو قلن : قد حضنا فإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن ، لأن طلاقها بحيض ضرائرها لا بحيضها ، وإن صدق واحدة منهن وكذب الباقيات طلقت كل واحدة من المكذبات الثلاث واحدة واحدة : لأنه قد صدق عليها واحدة ، ولا تطلق المصدقة : لأن كل واحدة من ضرائرها مكذبة .

                                                                                                                                            ولو صدق اثنتين وكذب اثنتين طلقت كل واحدة من المكذبتين طلقتين : لأنه قد صدق عليها ضرتين وطلقت كل واحدة من المصدقتين طلقة واحدة ، لأنه قد صدق عليها ضرة واحدة ، ولو صدق ثلاثا وكذب واحدة طلقت المكذبة ثلاثا ؛ لأنه قد صدق عليها ثلاث ضرائر وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين : لأنه قد صدق عليها ضرتين ، ولو صدق الأربع كلهن طلقت واحدة منهن ثلاثا : لأنه قد صدق عليها ثلاث ضرائر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية