الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما تسبيح الرجل في صلاته تنبيها لإمامه وإعلاما له بسهوه فجائز ، والعمل به سنة ، وأما أن يسبح قاصدا لرد جواب كرجل استأذنه في الدخول فقال : سبحان الله قاصدا به الإذن ، أو سلم عليه فقال : سبحان الله قاصدا الرد عليه ، أو أومأ إليه بيده ، أو رأسه ، أو رأى ضريرا يتردى في بئر ، فقال : سبحان الله : تنبيها له ليرجع عن جهته ، فصلاته في كل ذلك جائزة ، ولا سجود للسهو عليه

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : متى قصد في صلاته خطاب آدمي بإشارة ، أو تسبيح بطلت صلاته إلا أن يسبح لسهو إمامه تعلقا بما روي عن ابن مسعود أنه قال : قدمت من الحبشة فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه ، فلم يرد ، فأخذني ما قرب وما بعد ، فلما فرغ من صلاته قال : إن الله ، عز وجل ، يحدث من أمره ما شاء وقد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة فلو جاز رد السلام بتسبيح ، أو إشارة لفعله النبي صلى الله عليه وسلم مع حرصه على الخير وطلب الفضل ، قال : ولأنه نطق في صلاته بقرآن وقصد به إفهام آدمي على سبيل الجواب ، بطلت صلاته ، كقوله لرجل اسمه يحيى : " يايحيى خذ الكتاب بقوة " . أو قال : " يوسف أعرض عن هذا " . فلأن تبطل صلاته بالتسبيح إذا قصد به الإفهام ، أو التنبيه أولى ، وهذا خطأ

                                                                                                                                            ودليلنا رواية سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من نابه شيء في صلاته فليسبح " . فكان على عمومه في كل ما نابه في صلاته من سهو إمام أو رد سلام ، أو تنبيه ، أو إفهام

                                                                                                                                            وروى زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال : " دخلت الأنصار على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 165 ] ومعهم صهيب وهو يصلي في مسجد قباء فقلت : كيف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : رد عليهم السلام وأشار إليهم بيده "

                                                                                                                                            وروي عن أسماء أنها قالت انكسفت الشمس فدخلت على عائشة ، رضي الله عنها ، وهي تصلي ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندها فسألتها عن الخبر ، فقالت : سبحان الله ، وأشارت إلى السماء فقلت : آية . فأشارت برأسها نعم ، فلو كانت الإشارة والتسبيح للإفهام والتنبيه تبطل الصلاة لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولنهى عائشة ، رضي الله عنها ، عنه ، ولأن الإفهام بقول سبحان الله لو أبطل الصلاة لوجب أن يبطلها إذا قصد به إفهام إمامه لسهوه في صلاته ، وفي جواز ذلك دليل على جوازه بكل حال ، فأما تعلقهم بحديث ابن مسعود فلا حجة فيه ، لأن الرد في الصلاة مباح وليس بواجب ، وأما ما ذكروا من قوله : يايحيى خذ الكتاب ، وقوله : يوسف أعرض عن هذا فهو عندنا ينقسم قسمين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يقصد به قراءة القرآن فلا تبطل صلاته وإن تضمن الإفهام ، والتنبيه ، والتسبيح سواء ، وعلى هذا المعنى روى حكيم بن سعد أن رجلا من الخوارج نادى علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه وهو في صلاة الصبح لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين . قال فأجابه علي - عليه السلام - وهو في الصلاة فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ثم رجع إلى قراءته

                                                                                                                                            والثاني : أن يقصد به الإفهام ، والتنبيه لا القراءة فتبطل صلاته

                                                                                                                                            والفرق بينه وبين التسبيح : أن هذا خطاب آدمي صريح ، والتسبيح إشارة بالمعنى والتنبيه فافترق حكمها في إبطال الصلاة

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية