الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وسجود القرآن أربع عشرة سجدة سوى سجدة " ص " فإنها سجدة شكر ، وروي عن عمر ، رضي الله عنه ، أنه سجد في ( الحج ) سجدتين ، وقال : فضلت بأن فيها سجدتين ، وكان ابن عمر يسجد فيها سجدتين ، ( قال ) : وسجد النبي صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت وعمر في والنجم ( قال الشافعي ) : وذلك دليل على أن في المفصل سجودا ومن لم يسجد فليست بفرض ، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد وترك ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، إن الله عز وجل لم يكتبها علينا إلا أن نشاء " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال الصحيح من مذهب الشافعي وهو قوله في الجديد : إن [ ص: 202 ] سجود القرآن أربع عشرة سجدة ، ثلاث منها في المفصل ، وأربع في النصف الأول ، `فأولاهن في آخر الأعراف ، وهي قوله سبحانه : إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون [ الأعراف : 206 ] والثانية : في الرعد وهي قوله عز وجل : ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال [ الرعد : 15 ] والثالثة : في النحل وهي قوله عز وجل : ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون [ النحل : 49 ] والرابعة : في بني إسرائيل وهي قوله عز وجل : ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا [ الإسراء : 107 ] ، فهذه أربع سجدات في النصف الأول .

                                                                                                                                            والخامسة : في النصف الثاني وهي قوله عز وجل في سورة مريم : إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا [ مريم : 58 ] .

                                                                                                                                            والسادسة : في أول الحج وهي قوله عز وجل ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب [ الحج : 18 ] الآية .

                                                                                                                                            والسابعة : آخر الحج ، وهي قوله عز وجل : ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا [ الحج : 77 ] الآية .

                                                                                                                                            والثامنة : في آخر الفرقان ، وهي قوله سبحانه : وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن [ الفرقان : 60 ] الآية .

                                                                                                                                            والتاسعة : في سورة النمل وهي قوله عز وجل : ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات [ النمل : 25 ] الآية .

                                                                                                                                            والعاشرة : في سورة الم السجدة ، وهي قوله عز وجل : إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا [ السجدة : 15 ] الآية .

                                                                                                                                            والحادية عشرة : في " حم السجدة " ، وهو قوله عز وجل : ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر إلى قوله : واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون [ فصلت : 37 ] .

                                                                                                                                            والثانية عشرة : في المفصل في سورة النجم وهي قوله تعالى : فاسجدوا لله واعبدوا [ النجم : 62 ] .

                                                                                                                                            والثالثة عشرة : في المفصل في سورة : إذا السماء انشقت وهي قوله تعالى : وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون [ الانشقاق : 21 ] .

                                                                                                                                            [ ص: 203 ] والرابعة عشرة : في المفصل في سورة اقرأ باسم ربك ، واسجد واقترب [ العلق : 19 ] . فهذه سجدات العزائم فأما " ص " وهي قوله سبحانه : وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب [ ص : 24 ] . فهي سجدة شكر لا عزيمة ، وبذلك قال أكثر أهل العلم .

                                                                                                                                            وقال مالك : سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ، وليس في المفصل سجود ، وبه قال الشافعي في القديم .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : سجود القرآن أربع عشرة سوى السجدة الأخيرة من الحج . وأثبت مكانها سجدة " ص " ، فأما مالك فاستدل لإسقاط السجود في المفصل برواية عطاء بن يسار ، عن زيد بن ثابت ، أنه قرأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد ، وبرواية عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة ، قال : ولأنه قول ثلاثة من الصحابة يلزم الرجوع إلى قولهم في ذلك فأحدهم زيد بن ثابت ، وهو الذي جمع كتاب الله عز وجل ، وثانيهم أبي بن كعب ، وهو الذي قرأ مرتين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثالثهم عبد الله بن عباس ، وهو الذي قرأ على أبي ، وأخذ عنه ، والدلالة على إثبات السجود في المفصل رواية ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم ، فسجد كل من كان عنده إلا رجلا ، وأنه أخذ كفا من تراب - وروي : من الحصا - فدفعه إلى وجهه ، فقال : يكفي هذا . فقتل ببدر ، وكان هذا بمكة .

                                                                                                                                            وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في " والنجم " ، فسجد الناس كلهم إلا رجلين أرادا الشهرة .

                                                                                                                                            وروى عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في إذا السماء انشقت ، وفي سورة اقرأ باسم ربك فأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بسورة " والنجم " فلم يسجد فلا يدل على نفي السجود ، وإنما يدل على جواز الترك ، وما ذكر أنه قول ثلاثة من الصحابة فقد خالفهم ستة من الصحابة عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، رضي الله عنهم ، كلهم يقول في المفصل سجود ، فكان الأخذ بقولهم أولى لكثرتهم ، وكون الأئمة منهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية