الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويصلي في الكعبة الفريضة والنافلة " قال الماوردي : وهذا صحيح ، وبه قال أبو حنيفة ، قال ابن عمر : لا يصلي في الكعبة فرضا ، ولا نفلا ، وبه قال ابن جرير الطبري ، وقال مالك بن أنس : لا يجوز أن يصلي الفريضة ، والوتر ، ويجوز أن يصلي النافلة ، واستدلوا بقوله تعالى : وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره [ البقرة : 144 ] وإذا صلى فيه لم يقدر على التوجه إليه ، ولرواية صهيب بن سنان الرومي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت فلم يصل فيه .

                                                                                                                                            وروى أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت ، ووقف على الباب وصلى وقال : هذه القبلة ، ولأنه حول ظهره لشيء من الكعبة فوجب أن لا تصح صلاته .

                                                                                                                                            أصله : إذا صلى فيها متوجها إلى الباب ، والدلالة على جواز صلاة الفرض فيها قوله تعالى : وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود [ الحج : 26 ] ، فإن قيل : المراد بذلك خارج البيت ، لأن الطواف لا يكون في البيت قيل : الآية عامة ، وتخصيص بعضها بالحكم لا يدل على تخصيص جميعها ، لأن الاقتران في اللفظ لا يدل على الاقتران في الحكم ، فإن قيل : فلم لا منعتم الصلاة في البيت كما منعتم من الطواف فيه ، أو جوزتم الطواف فيه كما جوزتم الصلاة فيه ، قيل : لأن الطواف يستغرق جميع البيت فإذا أوقعه فيه لم يستغرق جميعه ، والصلاة تفتقر إلى جزء من البيت فإذا صلى فيه فقد صلى إلى جزء منه وهو الحائط .

                                                                                                                                            وروى بلال ، وجابر ، وابن عباس ، وأنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت وصلى ركعتين .

                                                                                                                                            وروي أنه صلى بين العمودين .

                                                                                                                                            وروي عن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : يا رسول الله ، إني نذرت أن أصلي في البيت فلم يفتح لي الباب فقال صلى الله عليه وسلم : " صلي في الحجر ، فإن الحجر من البيت ولأنه مستقبل بجميع بدنه شيئا من البيت فوجب أن تصح صلاته .

                                                                                                                                            أصله إذا صلى خارج البيت فأما تعلقهم بقوله تعالى : وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره [ البقرة : 144 ] .

                                                                                                                                            [ ص: 207 ] فالمراد به نحوه ، ومن صلى في البيت فقد توجه نحو البيت ، لأن حائط البيت من البيت ، فأما حديث أسامة وصهيب فقد روينا عن غيرهما أنه صلى الله عليه وسلم صلى في البيت والأخذ بالزيادة أولى .

                                                                                                                                            وأما قياسهم على من استقبل الباب فمذهبنا إن كان للباب عتبة واستقبلها جازت صلاته ، وإن لم يكن له عتبة أو كانت فلم يستقبلها فصلاته باطلة ، لأنه لم يستقبل شيئا من البيت في صلاته ، فلو كان الباب مغلقا فصلى إليه جاز ، لأن الباب من أبعاض البيت ، فلو كان أحدهما مغلقا ، والآخر مفتوحا فإن صلى إلى المغلق جاز ، وإن صلى إلى المفتوح لم يجز .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية