مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وإن خرس ففيه الدية .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا فعليه الدية كاملة ، لأنه قد سلبه أعظم منافعه ذهابة ، لأن محله من اللسان محل ذهاب البصر من العين ، ولو جنى على لسانه فأذهب كلامه حتى خرس ولم يتكلم بحرف فليس جنى عليه فأذهب حاسة ذوقه وسلبه لذة طعامه حتى لم يفرق بين طعم الحلو والحامض للشافعي فيه نص ، والذي يقتضيه مذهبه أن يكون فيه الدية كاملة ، لأن الذوق أحد الحواس المختصة بعضو خاص فأشبه حاسة السمع والشم ، والذوق أنفع من الشم وآكد ، فكان بكمال الدية أحق .
فإن كان عليه ديتان ، في كل واحد منهما دية ، وقد يصح بقاء الذوق مع قطع اللسان ، لأن حاسة الذوق تدرك بعصب اللسان ، فإذا بقي من عصبه في أصله بقية كان الذوق بها باقيا فلذلك لم يتحتم قطعه إلا بذهاب كلامه ، فإن اقترن بقطعه استئصال العصب حتى ذهب ذوقه وجبت عليه حينئذ ديتان ، وإذا وجب بما ذكرت أن يلزم في ذهابه الذوق - الدية ، وأنه يجوز أن يبقى مع قطع اللسان وتذهب مع بقاء اللسان إذا ذهب حس العصب تعلق بكمال الدية بذهاب جميع الذوق ، فلا يفرق بين مذاق الطعوم المختلفة ، فعلى هذا جمع في الجناية على لسانه بين ذهاب كلامه وذهاب ذوقه فنقصانه ضربان : لو نقص ذوقه بالجناية
[ ص: 264 ] أحدهما : أن يكون نقصانا ضعيفا ، وهو أن يدرك الفرق ما بين الحلو والحامض ولا يدرك حقيقة الحلو وحقيقة الحامض ، فذا ناقص المذاق ولا ينحصر قدر نقصانه فيتقسط عليه الدية ، فوجب أن تلزمه حكومة تختلف باختلاف النقصان في القود والضعف .
والضرب الثاني : أن يذهب بها بعض ذوقه مع بقاء بعضه فيصير مدركا طعم الحامض دون الحلو وطعم المر دون العذب ، فيلزمه من الدية بقسط ما أذهب من مذاقه ، وعدد المذاق خمسة ، ربما فرعها أهل الطب إلى ثمانية على أصولهم لا نعتبرها في الأحكام ، لدخول بعضها في بعض كالحرافة مع المرارة ، والخمسة المعتبرة : الحلو ، والحامض ، والمر ، والعذب والمالح . فتكون دية الذوق مقسطة على هذه الخمسة ، فإن أذهب واحد منها وجب عليه خمس الدية ، وفي الاثنين خمساها ، ولا يفضل بعضها على بعض كما تقسط دية الكلام على أعداد حروفه .