الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وإن خرس ففيه الدية .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا جنى على لسانه فأذهب كلامه حتى خرس ولم يتكلم بحرف فعليه الدية كاملة ، لأنه قد سلبه أعظم منافعه ذهابة ، لأن محله من اللسان محل ذهاب البصر من العين ، ولو جنى عليه فأذهب حاسة ذوقه وسلبه لذة طعامه حتى لم يفرق بين طعم الحلو والحامض فليس للشافعي فيه نص ، والذي يقتضيه مذهبه أن يكون فيه الدية كاملة ، لأن الذوق أحد الحواس المختصة بعضو خاص فأشبه حاسة السمع والشم ، والذوق أنفع من الشم وآكد ، فكان بكمال الدية أحق .

                                                                                                                                            فإن جمع في الجناية على لسانه بين ذهاب كلامه وذهاب ذوقه كان عليه ديتان ، في كل واحد منهما دية ، وقد يصح بقاء الذوق مع قطع اللسان ، لأن حاسة الذوق تدرك بعصب اللسان ، فإذا بقي من عصبه في أصله بقية كان الذوق بها باقيا فلذلك لم يتحتم قطعه إلا بذهاب كلامه ، فإن اقترن بقطعه استئصال العصب حتى ذهب ذوقه وجبت عليه حينئذ ديتان ، وإذا وجب بما ذكرت أن يلزم في ذهابه الذوق - الدية ، وأنه يجوز أن يبقى مع قطع اللسان وتذهب مع بقاء اللسان إذا ذهب حس العصب تعلق بكمال الدية بذهاب جميع الذوق ، فلا يفرق بين مذاق الطعوم المختلفة ، فعلى هذا لو نقص ذوقه بالجناية فنقصانه ضربان :

                                                                                                                                            [ ص: 264 ] أحدهما : أن يكون نقصانا ضعيفا ، وهو أن يدرك الفرق ما بين الحلو والحامض ولا يدرك حقيقة الحلو وحقيقة الحامض ، فذا ناقص المذاق ولا ينحصر قدر نقصانه فيتقسط عليه الدية ، فوجب أن تلزمه حكومة تختلف باختلاف النقصان في القود والضعف .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يذهب بها بعض ذوقه مع بقاء بعضه فيصير مدركا طعم الحامض دون الحلو وطعم المر دون العذب ، فيلزمه من الدية بقسط ما أذهب من مذاقه ، وعدد المذاق خمسة ، ربما فرعها أهل الطب إلى ثمانية على أصولهم لا نعتبرها في الأحكام ، لدخول بعضها في بعض كالحرافة مع المرارة ، والخمسة المعتبرة : الحلو ، والحامض ، والمر ، والعذب والمالح . فتكون دية الذوق مقسطة على هذه الخمسة ، فإن أذهب واحد منها وجب عليه خمس الدية ، وفي الاثنين خمساها ، ولا يفضل بعضها على بعض كما تقسط دية الكلام على أعداد حروفه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية