الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فإذا ثبت رد شهادتهم بالجرح فهم ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكونوا عند الشهادة بوصف من يتحمل الدية : لوجود شرطين : قرب النسب ، ووجود الغنى ، فهؤلاء هم المردود شهادتهم بالجرح .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكونوا عند الشهادة بوصف من لا يتحمل الدية ، وهم صنفان :

                                                                                                                                            أحدهما : من لا يتحملها لفقر .

                                                                                                                                            والثاني : من لا يتحملها لبعد نسبه ووجود من هو أقرب نسبا . فإن كان ممن لا يتحملها لفقره .

                                                                                                                                            قال الشافعي : لم تقبل شهادته بالجرح . وإن كان ممن لا يتحملها لبعد نسبه ووجود من هو أقرب منه . قال الشافعي : قبلت شهادته بالجرح . فاختلف أصحابنا في اختلاف نصه فيها على وجهين : [ ص: 86 ] أحدهما : وهو قول المزني وطائفة من متقدمي أصحابنا : أن حملوا ذلك فيهما على اختلاف قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لا تقبل شهادة من لا يتحملها لقرب نسبه ، وتقبل شهادة من لا يتحملها لبعد نسبه على ما نص عليه في بعد النسب : لأنهما جميعا عند شهادتهما بوصف من لا يتحمل العقل ، فلم يتوجه إليهما عند الشهادة بالجرح تهمة يجران بها نفعا ، أو يدفعان بها ضررا . والقول الثاني : أنه لا تقبل شهادة من لا يتحملها لبعد نسبه ولفقره ، ولا شهادة من لا يتحملها لبعد نسبه : لأنهما قد يجوز أن يصيرا عند الحول ممن يتحملها لاستغناء الفقير وموت من هو أقرب من ذي النسب البعيد ، فيصيرا دافعين عن أنفسهما تحمل العقل بشهادتهما فهذا أحد الوجهين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وأبي علي بن أبي هريرة وكثير من متأخري أصحابنا : أنه ليس ذلك على اختلاف قولين . والجواب على ظاهره في الموضعين : فلا تقبل شهادة من لا يتحملها لفقره ، وتقبل شهادة من لا يتحملها لبعد نسبه على ظاهر نصه . والفرق بينهما أن الفقير معدود من العاقلة في الحال ، لقرب نسبه ، وإن جاز أن لا يتحمل العقل عند الحول لبقاء فقره . والبعيد النسب غير معدود من العاقلة في الحال ، وإن جاز أن يتحمل العقل عند الحول ، وبموت من هو أقرب فافترق معناهما فكذلك ما افترقا في الشهادة ، وجمع المزني بين معناهما ؛ ولذلك ما جمع بينهما في الشهادة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية