الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فأما المكره على الكفر والردة بالقتل ، فموسع له بين الإمساك عن كلمة الكفر والصبر على القتل ، وبين التلفظ بكلمة الكفر استدفاعا للقتل .

                                                                                                                                            فقد أكرهت قريش بمكة عمار بن ياسر وأبويه على الكفر ، فامتنع منه أبواه فقتلا ، وتلفظ عمار بالكفر فأطلق ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعذر عمارا وترحم على أبويه .

                                                                                                                                            وقيل : إنه نزل فيه : إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان [ النحل : 106 ] .

                                                                                                                                            فإن قيل : فأي الأمرين أولى به ؟

                                                                                                                                            قيل : يختلف باختلاف حال المكره .

                                                                                                                                            فإن كان ممن يرجى منه النكاية في العدو أو القيام بأحكام الشرع ، فالأولى به أن يستدفع القتل بإظهار كلمة الكفر .

                                                                                                                                            وإن كان ممن يعتريه من ضعف بصيرته في الدين ، أو يمتنع به من أراد الإسلام من المشركين ، فالأولى به الصبر على القتل والامتناع من إظهار كلمة الكفر .

                                                                                                                                            روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن في الجنة لقصرا لا يسكنه إلا نبي أو صديق أو محكم في نفسه .

                                                                                                                                            فقيل : إن المحكم : هو الذي يخير بين الكفر والقتل ، فيختار القتل على الكفر .

                                                                                                                                            فإن تلفظ بكلمة الكفر ، فله في التلفظ بها ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            إحداهن : أن يتلفظ بلسانه وهو معتقد للإيمان بقلبه ، فهو على إسلامه ، وليس لتلفظه حكم إلا استدفاع القتل : لقول الله تعالى : إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان [ النحل : 106 ] ، وهذا مطمئن القلب بالإيمان .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يتلفظ بلسانه معتقدا له بقلبه ، فهذا مرتد : لأنه وإن أكره على التلفظ فلم يكره على الاعتقاد ، فصار ممن قال الله تعالى فيه : ولكن من شرح بالكفر صدرا أي يسقط حكم الإكراه بالاعتقاد .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يتلفظ بلسانه مطلقا من غير أن يقترن به اعتقاد إيمان ولا كفر ، ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون على إسلامه : لأن ما حدث من الإكراه معفو عنه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن يكون مرتدا حتى يدفع حكم لفظه بمعتقده : لأنه لا عذر له في تركه .

                                                                                                                                            [ ص: 181 ] وهكذا المكره على الطلاق ، تعتبر فيه هذه الأحوال الثلاث في لفظه ومعتقده .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية