فصل :
وإذا فعليه الحد دونها . [ ص: 209 ] وقال أقر أنه زنا بامرأة فجحدت المرأة الزنا أبو حنيفة : لا حد على واحد منهما ، استدلالا بأمرين :
أحدهما : أن فعل الرجل مع فعل المرأة وطء واحد ، فإذا سقط الحد في جنبتها بالجحود سقط في جنبته ، وإن أقر لعدم الكمال : لأن الحد لا يجب إلا في زنا كامل .
والثاني : أن الزنا بجحودها وإقراره متردد بين وجود وعدم ، فصار شبهة فيه ، فوجب إسقاط الحد به .
ودليلنا : أن ماعزا لما أقر بالزنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات ، قال : الآن أقررت أربعا . فبمن قال : بفلانة . فلم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها ولم يسألها . ولو كان إقرارها شرطا في وجوب حده وإنكارها موجبا لسقوطه ، لكف عن رجمه إلا بعد سؤالها .
وروى سهل بن سعد الساعدي . وهذا نص . أن رجلا أقر أنه زنا بامرأة ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليها فجحدت ، فحد الرجل
فإن قيل : إنما حده للقذف .
قيل : حد القذف لها لا يستحق إلا بمطالبتها ، ولم ينقل أنها طالبت ، فصار محمولا على حد الزنا دون القذف .
ومن القياس : أنه ليس في جحودها أكثر من عدم إقرارها بالزنا ، وهذا لا يوجب سقوط الحد عنه ، كالسكوت إذا لم يجحد ولم تقر . ولأن من لم يمنع سكوته من إقامة الحد على غيره ، لم يمنع منه جحوده قياسا على غيرها . ولأن جحودها لو كان مسقطا للحد عنه ، لوجب إذا كانت غائبة ألا يحد حتى تحضر : لجواز أن تجحد فيسقط الحد عنه ، وفي إجماعهم على تعجيل حده قبل قدومها وسؤالها دليل على أن إقرارها وجحودها سواء في حقه .
وأما الجواب عن استدلاله : " بأنه وطء واحد " : فهو أنه وإن كان وطئا واحدا فلا يمتنع أن يثبت حكمه في جنبة أحدهما ، وإن سقط في جنبة الآخر ، كما لو كان عاقلا ، وهي مجنونة أو كبيرا وهي صغيرة .
وأما الجواب عن أن سقوطه في جنبة أحدهما شبهة فهو : أنها شبهة في حقها دون حقه ، وذلك لا يوجب سقوط الحد عنه ، كما لو أكرهها على الزنا لم يكن سقوط الحد عنها موجبا لسقوط الحد عنه . وبنى أبو حنيفة على هذه المسألة : إذا ، [ ص: 210 ] قال زنا الناطق بخرساء أبو حنيفة : لا حد عليه ولا عليها : لأنه لا يجعل إشارتها بالزنا إقرارا ، فتصير كالجاحدة . وعندنا يجب الحد عليه وعليها إن أشارت بالإقرار ، وكذلك حد . الأخرس إذا أشار بالإقرار بالزنا
وقد مضت هذه المسألة في كتاب " الإقرار " ، ثم يقال لأبي حنيفة : ليس في خرسها أكثر من سكوتها ، وسكوتها لا يمنع من وجوب الحد عليه ، كذلك خرسها . والله أعلم .