الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            وأما القسم الثاني : وهو المساكن المستوطنة فتختلف في أحرازها بحسب اختلاف سكانها من اليسار والإعسار ، فأما مساكن ذوي الإعسار فأخف أحرازا : لأن متاع بيوتهم زهيد لا يرغب فيه ، فإن كانت أبنيتهم قصيرة وأبوابهم خفيفة وأغلاقهم سهلة ، كانت حرزا لأمثالهم ، فإن سكنها أهل اليسار لم تكن حرزا لهم : لأن مساكن ذوي اليسار محكمة الأبنية ، عالية الجدران وثيقة الأبواب ، صعبة الأغلاق ، فإن كانت جدرانها قصارا وهي مسقفة بسقف وثيقة كانت حرزا لأمثالهم من أهل اليسار ، وإن لم تكن مسقفة ، لم تكن حرزا لذوي اليسار : لأنه يمكن الصعود إليها إذا قصرت ولا يمكن الصعود إليها إذا علت ، فإذا سكن أهل اليسار في مساكن أمثالهم فلهم حالتان : ليل ، ونهار :

                                                                                                                                            فأما النهار : فيجوز أن يكون أبوابهم مفتوحة إذا كانوا - أو واحد منهم - يرى الداخل إليها والخارج منها ، وإن لم يروه لم يكن حرزا إلا بغلق الباب . وإغلاقه في النهار أخف من إغلاقه في الليل ، فلا تكون في الليل حرزا إلا بعد غلق أبوابها وإحكام إغلاقها ، ثم لأمتعة بيوتهم حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : ما كان جافيا للبذلة كالبسط والأواني ، فصحون مساكنهم حرز لها .

                                                                                                                                            والثاني : ما كان من ذخائرهم ونفيس أموالهم ، فالبيوت المغلقة في المساكن حرز لها ، ولا يكون تركها في صحون المساكن حرزا لمثلها : لأنها تحفظ من أهل المسكن وغير أهل المسكن . فإن سرقها غريب منهم وخارج عنهم قطع ، وإن سرقها أحدهم لم [ ص: 289 ] يقطع : لما ترك في صحون المساكن التي يدخل إليها ويخرج منها ، وقطع بما في البيوت المقفلة منه . فلو كان في جدار الدار فتحة طويلة ، وكانت عالية لا تنال ، فالحرز بحاله . وإن كانت قصيرة ، نظر : فإن كانت ضيقة لا يمكن ولوجها إلا بهدم بنيان لم تمنع من الحرز ، وإن كانت واسعة يمكن ولوجها منعت من الحرز ، وصارت كالباب المفتوح . فإن كان عليها باب كباب الدار في الوثاقة جرى مجراه ، وجاز فتحه نهارا وغلقه ليلا . وإن كان عليها شباك فإن كان ضعيفا لا يرد فليس بحرز ، وإن كان قويا من حديد أو خشب وثيق كان حرزا ، فهذا حكم المساكن .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية