الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت ما وصفنا من سقوط التداخل ووجوب البداية بالأخف ، فالحدود إذا اجتمعت تنقسم ثلاثة أقسام : جلد ، وقطع ، وقتل ، فيقدم الجلد على القطع والقتل ، كما ذكرنا ، والجلد يستحق بأربعة أسباب ، تعزير ، وقذف ، وشرب خمر ، وزنا بكر ، فإذا اجتمعت قدم التعزير على جميعها : لأمرين : أحدهما : أنه أخف . والثاني : أنه من حقوق الآدميين في الأغلب . ثم فيما يبدأ به بعد التعزير وجهان : أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي يقدم حد القذف على شرب الخمر : لأنه من حقوق الآدميين . والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة يقدم حد الخمر على حد القذف : [ ص: 374 ] لأنه أخف ، ثم حد الزنا آخرها : لأنه أغلظ جلد في حق الله تعالى فصار آخرها . ويمهل بين كل حدين حتى يبرأ إذا كان القتل غير منحتم ، كالقتل في غير الحرابة : لأن لا يوالى عليه بين الحدود فيتلف قبل استيفاء جميعها . فإن كان القتل منحتما كالقتل في الحرابة والرجم في الزنا ، ففي الموالاة عليه بين الحدود وجهان : أحدهما : يوالى : لأن تأخيرها للبرء مع انحتام القتل غير مفيد . والوجه الثاني : يمهل بين الحدين حتى يبرأ ، كما لو كان القتل غير منحتم لجواز أن يتلف بالموالاة قبل استيفائها .

                                                                                                                                            فصل : ثم يعدل بعد استيفاء الجلد إلى قطع ما دون النفس ، ويقدمه على القتل . وما دون النفس مستحق من ثلاث جهات : قود في جناية . وقطع يد في سرقة . وقطع يد ورجل في حرابة . فيكون قود الجناية موقوفا على خيار مستحقه على أصح القولين ، فإن اختار العفو عنه إلى مال سقط حكمه ، وقطعت يده اليمنى : لسرقته وحرابته ، ورجله اليسرى : لحرابته ، وجمع بين قطعهما : لأنهما حد واحد . إلا أن يكون قتله مستحقا في الحرابة ، فلا تقطع رجله اليسرى : لأن حده الصلب بعد القتل . وإن اختار مستحق القود القصاص ، قدمه على قطع السرقة والحرابة : لأن من حقوق الآدميين ، ثم رجله . فإن كان مستحقا في غير أعضاء السرقة والحرابة كالموضحة في الرأس واللسان والذكر ، ويسرى اليد ويمنى الرجل ، أمهل بعد القصاص حتى يبرأ مما قطع بالسرقة والحرابة . وإن كان مستحقا في أعضاء السرقة والحرابة كاليد اليمنى والرجل اليسرى قطعت قصاصا ، فإن كان اليد اليمنى دخل في الاقتصاص منها قطع السرقة ، وقطع الحرابة ، وقطعت الرجل اليسرى للحرابة . وإن كان قطع القصاص في الرجل اليسرى دخل فيها قطع الحرابة ، وقطعت يده اليمنى للسرقة والحرابة . وإن كان قطع القصاص في اليد اليمنى والرجل اليسرى . دخل فيها قطع السرقة وقطع الحرابة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية