فصل :
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=10568حكم التعزير فهو مخالف لحكم الحدود من وجهين :
أحدهما : في الوجوب والإباحة .
والثاني : في حدوث التلف عنه .
فأما الحكم الأول في الوجوب والإباحة :
nindex.php?page=treesubj&link=10568_10630فالتعزير مباح يجوز العفو عنه ،
nindex.php?page=treesubj&link=20046والحدود واجبة لا يجوز العفو عنها .
وقال
أبو حنيفة : إن كان لا يرتدع بغير التعزير ، وجب تعزيره ولم يجز العفو عنه ، وإن كان يرتدع بغيره كان على خيار الإمام في تعزيره والعفو عنه .
ودليلنا : ما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=924797أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اعدل يا رسول الله . فقال : لقد شقيت إن لم أعدل ولم يعزره ، وإن كان ما قاله يقتضيه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=924798وحكم بين الزبير ورجل من الأنصار في شرب بينهما ، فقال للزبير : اسق أنت ثم أرسل الماء إليه . فقال الأنصاري لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه ابن عمتك ، أي : قدمته لقرابته لا بحقه فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال للزبير : احبس الماء في أرضك إلى الكعبين .
[ ص: 427 ] وفيه أنزل الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [ النساء : 65 ] ولم يعزره وإن كان ما قاله يقتضيه .
ولأن
nindex.php?page=treesubj&link=10571_10630التعزير تأديب ، فأشبه تأديب الأب والمعلم ، ولذلك قال
عثمان ،
وعبد الرحمن ،
لعمر رضي الله عنهم في إجهاض المرأة : لا شيء عليك ، إنما أنت معلم .
فإذا صح جواز العفو عنه ، فهو ضربان :
أحدهما : ما تعلق بحق الله تعالى .
والثاني : ما تعلق بحقوق الآدميين .
فأما المتعلق بحقوق الله تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=10631فكالتعزير بأسباب الزنا والسرقة وشرب الخمر ، فللإمام أن ينفرد بالعفو عنه إذا رأى ذلك صلاحا له ، وله أن يستوفيه ويكون موقوفا على خياره في الصلح .
وأما المتعلق بحقوق الآدميين : فكالمواثبة والمشاتمة ، ففيه حق للمشتوم والمضروب ، وحق الإمام في التقويم والتهذيب ، فلا يصح العفو عن التعزير فيه إلا باجتماعهما عليه . فإن عفا الإمام عنه لم يسقط حق المضروب منه ، وكان له المطالبة به . وإن عفا عنه المضروب والمشتوم نظر في عفوه ، فإن كان بعد الترافع إلى الإمام لم يسقط حق الإمام فيه ، وإن كان له أن ينفرد بتعزيره إلا أن يعفو عنه .
وإن كان قبل الترافع إلى الإمام ، ففي سقوط حق الإمام منه وجهان :
أحدهما : وهو قول
أبي عبيد الله الزبيري قد سقط حقه منه ، وليس له التعزير فيه ، كالعفو عن حد القذف يمنع الإمام من استيفائه .
والوجه الثاني : وهو أظهر لا يسقط حق الإمام منه : لأن التقويم فيه من حقوق المصالح العامة ، فلو تشاتما ، وتواثب والد مع ولده ، سقط تعزير الوالد في حق ولده ، ولم يسقط تعزير الولد في حق والده : لأن
nindex.php?page=treesubj&link=10615_10625الوالد لا يحد لولده ، ويحد الولد لوالده . ولا يسقط حق الإمام في تعزير كل واحد منهما ، فيكون تعزير الوالد مختصا بالإمام مشتركا بين الوالد والإمام .
فَصْلٌ :
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10568حُكْمُ التَّعْزِيرِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْحُدُودِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : فِي الْوُجُوبِ وَالْإِبَاحَةِ .
وَالثَّانِي : فِي حُدُوثِ التَّلَفِ عَنْهُ .
فَأَمَّا الْحُكْمُ الْأَوَّلُ فِي الْوُجُوبِ وَالْإِبَاحَةِ :
nindex.php?page=treesubj&link=10568_10630فَالتَّعْزِيرُ مُبَاحٌ يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=20046وَالْحُدُودُ وَاجِبَةٌ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهَا .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ كَانَ لَا يَرْتَدِعُ بِغَيْرِ التَّعْزِيرِ ، وَجَبَ تَعْزِيرُهُ وَلَمْ يَجُزِ الْعَفْوُ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ يَرْتَدِعُ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَى خِيَارِ الْإِمَامِ فِي تَعْزِيرِهِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ .
وَدَلِيلُنَا : مَا رُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=924797أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ : لْقَدْ شَقِيتَ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ وَلَمْ يُعَزِّرْهُ ، وَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ يَقْتَضِيهِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=924798وَحَكَمَ بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي شِرْبٍ بَيْنَهُمَا ، فَقَالَ لِلزُّبَيْرِ : اسْقِ أَنْتَ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَيْهِ . فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُ ابْنُ عَمَّتِكَ ، أَيْ : قَدَّمْتَهُ لْقَرَابَتِهِ لَا بِحَقِّهِ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ لِلزُّبَيْرِ : احْبِسِ الْمَاءَ فِي أَرْضِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ .
[ ص: 427 ] وَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ النِّسَاءِ : 65 ] وَلَمْ يُعَزِّرْهُ وَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ يَقْتَضِيهِ .
وَلِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10571_10630التَّعْزِيرَ تَأْدِيبٌ ، فَأَشْبَهَ تَأْدِيبَ الْأَبِ وَالْمُعَلِّمِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
عُثْمَانُ ،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ،
لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي إِجْهَاضِ الْمَرْأَةِ : لَا شَيْءَ عَلَيْكَ ، إِنَّمَا أَنْتَ مُعَلِّمٌ .
فَإِذَا صَحَّ جَوَازُ الْعَفْوِ عَنْهُ ، فَهُوَ ضَرْبَانِ :
أَحَدُهُمَا : مَا تَعَلَّقَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .
وَالثَّانِي : مَا تَعَلَّقَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ .
فَأَمَّا الْمُتَعَلِّقُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=treesubj&link=10631فَكَالتَّعْزِيرِ بِأَسْبَابِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَفْوِ عَنْهُ إِذَا رَأَى ذَلِكَ صَلَاحًا لَهُ ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى خِيَارِهِ فِي الصُّلْحِ .
وَأَمَّا الْمُتَعَلِّقُ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ : فَكَالْمُوَاثَبَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ ، فَفِيهِ حَقٌّ لِلْمَشْتُومِ وَالْمَضْرُوبِ ، وَحَقُّ الْإِمَامِ فِي التَّقْوِيمِ وَالتَّهْذِيبِ ، فَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنِ التَّعْزِيرِ فِيهِ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ . فَإِنْ عَفَا الْإِمَامُ عَنْهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْمَضْرُوبِ مِنْهُ ، وَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ . وَإِنْ عَفَا عَنْهُ الْمَضْرُوبُ وَالْمَشْتُومُ نُظِرَ فِي عَفْوِهِ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّرَافُعِ إِلَى الْإِمَامِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْإِمَامِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِتَعْزِيرِهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ .
وَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّرَافُعِ إِلَى الْإِمَامِ ، فَفِي سُقُوطِ حَقِّ الْإِمَامِ مِنْهُ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ قَدْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهُ ، وَلَيْسَ لَهُ التَّعْزِيرُ فِيهِ ، كَالْعَفْوِ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ يَمْنَعُ الْإِمَامَ مِنَ اسْتِيفَائِهِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ أَظْهَرُ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْإِمَامِ مِنْهُ : لِأَنَّ التَّقْوِيمَ فِيهِ مِنْ حُقُوقِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ ، فَلَوْ تَشَاتَمَا ، وَتَوَاثَبَ وَالِدٌ مَعَ وَلَدِهِ ، سَقَطَ تَعْزِيرُ الْوَالِدِ فِي حَقِّ وَلَدِهِ ، وَلَمْ يَسْقُطْ تَعْزِيرُ الْوَلَدِ فِي حَقِّ وَالِدِهِ : لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10615_10625الْوَالِدَ لَا يُحَدُّ لِوَلَدِهِ ، وَيُحَدُّ الْوَلَدُ لِوَالِدِهِ . وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْإِمَامِ فِي تَعْزِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَيَكُونُ تَعْزِيرُ الْوَالِدِ مُخْتَصًّا بِالْإِمَامِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْوَالِدِ وَالْإِمَامِ .