الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وفي شهر ربيع الآخر من هذه السنة بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب سرية إلى طيئ له راية سوداء ولواء أبيض ، وأمره أن يهدم الفلس صنما لهم ، ويشن عليهم الغارة ، فشنها عليهم مع الفجر ، وسبى إبل حاتم ، وسبى بنته أخت عدي بن حاتم ، وهرب عدي بن حاتم إلى الشام ، واستاق النعم ، وهدم الفلس ، وكان في بيت الصنم سيفان لهما ذكر يقال لأحدهما رسوب ، وللآخر المخدم كان الحارث بن أبي شمر نذرهما له ، فصار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصفي ، وقسم النعم بعد إخراج خمسها ، وعزل آل حاتم حتى قدم بهم المدينة ، فعزلهم في حظيرة بباب المسجد فلما مر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قامت إليه أخت عدي بن حاتم ، وكانت امرأة جزلة فقالت : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هلك الوالد ، وغاب الوافد : فامنن علي من الله عليك ! فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أنت ، فقالت : بنت الرجل الجواد حاتم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ارحموا عزيز قوم ذل ، ارحموا غنيا افتقر ، ارحموا عالما ضاع بين الجهال ، ثم قال لها : قد مننت عليك فلا تعجلي بالخروج حتى تجدي من ثقات قومك من يبلغك إلى بلادك ، فأقامت حتى قدم ركب من قضاعة تأمنهم ، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكساها وزودها وحملها حتى قدمت الشام على أخيها عدي بن حاتم ، فاستشارها في أمره ، فأشارت عليه بالقدوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدم عليه بالمدينة ، ودخل المسجد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أنت فقال : عدي بن حاتم ، فقام وانطلق به إلى بيته ، وأجلسه على وسادة وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأرض ، قال عدي : فعلمت حين فعل هذا أنه نبي وليس بملك ثم قال : لعلك يا عدي بن حاتم إنما منعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فوالله ليوشكن المال يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعله إنما منعك من ذلك ما ترى من قلة عددهم وكثرة عدوهم : فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور البيت لا تخاف إلا الله ، ولعله إنما منعك من الدخول أنك ترى الملك والسلطان في غيرهم ، وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت . [ ص: 81 ] فأسلم عدي بن حاتم ، فكان يقول : مضت اثنتان وبقيت الثالثة ، والله لتكونن قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت ، ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف شيئا حتى تحج هذا البيت ، وايم الله لتكونن الثالثة ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية