الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولا يجاهد إلا بإذن أهل الدين " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح إذا كان على رجل من أهل الجهاد دين لم يخل دينه من أن يكون حالا أو مؤجلا .

                                                                                                                                            فإن كان حالا لم يخل من أن يكون موسرا به أو معسرا ، فإن كان موسرا ، ولم يستنب في قضائه لم يكن له أن يجاهد إلا بإذن صاحب الدين ، وسواء كان الدين لمسلم أو كافر : لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى .

                                                                                                                                            وروي أن رجلا قال : يا رسول الله : أرأيت إن قتلت صابرا محتسبا أيحجزني عن الجنة شيء ؟ فقال : لا ، إلا الدين .

                                                                                                                                            وروي أنه قال : لا ، فنزل عليه جبريل فقال له : إلا الدين : فقال له : إلا الدين ، وما حجز عن الجنة لم يتوصل بالجهاد إليها ، ولأن فرض الدين متعين عليه ، وفرض الجهاد على الكفاية : وفروض الأعيان مقدمة على فروض الكفاية : ولأن الجهاد من حقوق الله تعالى ، هي أوسع من حقوق الآدميين ، وهي أضيق فقدم الأضيق على الأوسع .

                                                                                                                                            وكذلك لو كان معسرا لم يكن له أن يجاهد إلا بإذنه لأنه ينقطع بالجهاد عن الكسب ويتعرض للشهادة .

                                                                                                                                            وإن استناب الموسر في قضاء دينه نظر ، فإن كان المال حاضرا لم يلزم استئذان صاحب الدين عن الجهاد لأنه كالمؤدي .

                                                                                                                                            وإن كان المال غائبا لزمه استئذانه ولم يكن له أن يجاهد بغير إذنه : لجواز أن يتلف المال قبل قضاء الدين فيبقى على صاحبه .

                                                                                                                                            وإن كان الدين مؤجلا ففي جواز جهاده ، بغير إذن صاحب الدين وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز أن يجاهد بغير إذنه كما يجوز أن يسافر في غير الجهاد بغير إذنه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يجوز أن يجاهد إلا بإذنه ، وإن جاز أن يسافر بغير إذنه : لأن [ ص: 122 ] مقصود الجهاد التعرض للشهادة : فخالف غيره من الأسفار التي لا يتعرض للشهادة فيها ، فصار من عليه الدين غير موصوف بفرض الجهاد عليه ولا بسقوطه عنه : لوقوفه على إذن ربه ، فإن أذن صار من أهل الجهاد ، وإن لم يأذن خرج منهم ، وإذا جاهد بإذن صاحب الدين لم يتعرض للشهادة ، ولم يتقدم أمام الصفوف ، ووقف في وسطها أو حواشيها ليتحفظ الدين بحفظ نفسه ، وهو اختيار الشافعي ، فإن رجع صاحب الدين عن إذنه كان كالذي مضى في حدوث الأعذار .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية