الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ومن ظهر منه تخذيل للمؤمنين ، وإرجاف بهم أو عون عليهم منعه الإمام الغزو معهم : لأنه ضرر عليهم ، وإن غزا لم يسهم له " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، ينبغي للإمام أن يتفقد الغزاة إذا خرجوا حتى يغزو من يرجى نفعه ، ويرد من يخاف ضرره ، لقول الله تعالى : لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا [ التوبة : 47 ] . فيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : يعني : فسادا .

                                                                                                                                            والثاني : اضطرابا ، ولأوضعوا خلالكم [ التوبة : 48 ] . فيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : لأوقعوا بينكم الاختلاف .

                                                                                                                                            والثاني : لأسرعوا في تفريق جمعكم .

                                                                                                                                            يبغونكم الفتنة [ التوبة : 47 ] . فيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : الهزيمة .

                                                                                                                                            والثاني : التكذيب بوعد الرسول .

                                                                                                                                            وفيكم سماعون لهم [ التوبة : 47 ] فيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : وفيكم من يسمع كلامهم ويطيعهم .

                                                                                                                                            والثاني : وفيكم عيون منكم ينقلون إليهم أخباركم .

                                                                                                                                            فإذا ثبت هذا فمن ذوي الأضرار المردودين من الغزو مع المسلمين من ذكره الشافعي وهم ثلاثة أصناف :

                                                                                                                                            أحدها : من ظهر منه تخذيل المؤمنين بما تضعف به قلوبهم من تكثير المشركين وقوتهم ، وتقليل المؤمنين وضعفهم ، والإخبار بما يخاف من شدة حر أو برد أو عطش أو جدب ، وبما جرى مجرى هذه الأمور التي تضعف بها القلوب ، وتفضي إلى الهزيمة .

                                                                                                                                            والصنف الثاني : من يرجف بالمؤمنين فينجو بهزيمتهم أو بمدد يرد بعدوهم أو بكمين لهم وراءهم ، أو أنهم قد ظفروا بأسرى أو سبوا ذراري أو قطعوا ميرة وما جرى مجرى هذه الأراجيف التي تفضي إلى الفشل والوجل .

                                                                                                                                            والصنف الثالث : من يكون عونا للمشركين باطلاعهم على عورات المؤمنين ، وإرشادهم إلى أسباب الظفر ، وتحذيرهم من وقوع الضرر ، وإيواء عيونهم إذا وردوا ، والذب عنهم إذا ظفروا إلى ما جرى مجرى هذه المعونة لهم القوية لأمرهم فترد هذه [ ص: 130 ] الأصناف ومن شاكلها : لأن المقصود من الانتفاع بهم معدوم ، والمخوف من الضرر بهم موجود .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد كان يغزو أمثال هؤلاء من المنافقين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقرهم ولا يردهم فهلا وجب الاقتداء به فيهم .

                                                                                                                                            قيل : لأن الله تعالى قد خص رسوله من ذلك بأمرين عدما فيمن بعده من الولاة :

                                                                                                                                            أحدها : ما يوحى إليه من مكر المنافقين : فيحترز منه .

                                                                                                                                            والثاني : اختيار أصحابه بقوة الإيمان وتصديق الوعد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية