الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما رد السلام فيما ذكرناه من الأقسام فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون السلام على واحد ، ويكون رده فرضا متعينا على ذلك الواحد ، سواء كان السلام من مسلم أو كافر .

                                                                                                                                            وقال عطاء : يجب رده على المسلم ، ولا يجب رده على الكافر ، والدليل على استوائهما في وجوب الرد عليهما - وإن اختلفا في صفة الرد - عموم قول الله تعالى : وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها [ النساء : 86 ] .

                                                                                                                                            وفي هذه التحية تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها الدعاء .

                                                                                                                                            والثاني : السلام .

                                                                                                                                            وفي قوله : فحيوا بأحسن منها أو ردوها ، تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : فحيوا بأحسن منها للمسلم أو ردوا مثلها على الكافر .

                                                                                                                                            والثاني : فحيوا بأحسن منها بالزيادة على الدعاء أو ردوها بمثلها من غير زيادة .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون السلام على جماعة ، فرده من فروض الكفايات على تلك الجماعة ، فأيهم تفرد بالرد سقط فرضه عن الباقين ، وكان المراد منهم هو المختص بثواب رده دونهم ، وإن أمسكوا عنه حرجوا أجمعين ، ولا يسقط الفرض عنهم برد غيرهم .

                                                                                                                                            فأما صفة السلام وصفة الرد ، فهو مختلف باختلاف المسلم والراد ، وذلك ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون السلام بين مسلمين ، فصفته من المبتدئ بالسلام ، أن يقول : السلام عليكم ، سواء كان السلام على واحد أو على جماعة : لأن لفظ الجمع يتوجه [ ص: 148 ] إليه وإلى حافظيه من الملائكة ، وما زاد بعده من قوله : " ورحمة الله وبركاته " ، فهو زيادة فضل .

                                                                                                                                            فأما رده فأقله أن يقابل عليه بمثله ، روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا تغار التحية . والغرار : النقصان . أي : لا تنقص من السلام إذا سلم عليك ، والسنة أن تزاد في الرد عليه ، روى الحسن البصري أن رجلا سلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : السلام عليكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليكم السلام ورحمة الله ، ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، ثم جاء آخر فقال : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليكم ، فقيل له : يا رسول الله : زدت الأول والثاني ، وقلت للثالث : وعليكم فقال : إن الأول والثاني أبقيا من التحية شيئا ، فرددت عليهما أحسن من تحيتهما ، وإن الثالث جاء بالتحية كلها فرددت عليه مثلها وإن كان السلام بين مسلم وكافر فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون الكافر مبتدئا بالسلام فيجب على المسلم رد سلامه ، وفي صفة رده وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يرد عليه المسلم فيقول : وعليك السلام ولا يزيد عليه " ورحمة الله و بركاته " .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن يقتصر في رده عليه بقوله وعليك : لأنه ربما نوى سوءا بسلامه وإن كان المسلم مبتدئا بالسلام ، ففي جواز ابتدائه بالسلام وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز أن يبتدئ بالسلام : لأنه لما كان السلام أدبا وسنة كان المسلم بفعله أحق ، فعلى هذا يقول له المسلم : " السلام عليك " على لفظ الواحد ، ولا يذكره على لفظ الجمع كالمسلم ، ليقع به الفرق بين السلام على المسلم والكافر .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يبدأ بالسلام حتى يبتدأ به ، فيجاب لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا تبتدئوا اليهود بالسلام ، فإن بدءوكم فقولوا : وعليكم ، فهذا وإن لم يكن من سنن الجهاد ، فهو من السنن والآداب ، فلم أستجز ذكره ، مع ذكر الشافعي له أن أخل باستيفائه ، والله الموفق للصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية