الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - : " والصابئون والسامرة مثلهم يؤخذ من جميعهم الجزية ، ولا تؤخذ الجزية من أهل الأوثان ، ولا ممن عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الصابئة ، فطائفة تنضم إلى النصارى ، والسامرة طائفة تنضم إلى اليهود ، ولا يخلو حال انضمامهما إلى اليهود والنصارى من خمسة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن نعلم أنهم يوافقون اليهود والنصارى في أصول دينهم ، وفروعه ، فيجوز أن يقروا بالجزية ، وتنكح نساؤهم ، وتؤكل ذبائحهم .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يخالفوا اليهود والنصارى في أصول دينهم وفروعه ، فلا يجوز إقرارهم بالجزية ، ولا تستباح مناكحهم ، ولا تؤكل ذبائحهم كعبدة الأوثان .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يوافقوا اليهود والنصارى في أصول دينهم ، ويخالفوهم في فروعه ، فيجوز أن يقروا بالجزية ، وتستباح مناكحهم ، وأكل ذبائحهم : لأن الأحكام تجري على أصول الأديان ، ولا يؤثر الاختلاف في فروعها كما لم يؤثر اختلاف المسلمين في فروع دينهم .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن يوافقوا اليهود والنصارى في فروع دينهم ، ويخالفوهم في أصوله ، فلا يجوز أن يقروا بالجزية ، ولا تستباح مناكحهم ، ولا أكل ذبائحهم تعليلا باعتبار الأصول في الدين .

                                                                                                                                            والقسم الخامس : أن يشكل أمرهم ، ولا يعلم ما خالفوهم فيه ، ووافقوهم عليه من أصل وفرع ، فيقروا بالجزية حقنا لدمائهم ، ولا تنكح نساؤهم ، ولا تؤكل ذبائحهم تغليبا للحظر في الأمرين كالذي قلناه فيمن أشكل دخوله في اليهودية والنصرانية ، هل كان من المبدلين .

                                                                                                                                            فإن أسلم اثنان من الصابئين والسامرة ، فشهدا بما وافقوا عليه اليهود والنصارى من أصل وفرع حكم بشهادتهما ، وأجري عليهم حكمها ، ولا يراعى في هذه الشهادة عدد التواتر ، ويراعى عدد التواتر فيمن ادعوا أن لهم كتابا غير التوراة والإنجيل : لأن هذا إخبار عن أصل دين مجهول ، فراعينا فيه خبر التواتر والاستفاضة ، ومعتقد الصابئين والسامرة دين معروف يعول في صفته على الشهادة فافترقا ، وقد قال ابن أبي هريرة : إن السامرة من نسل السامري ، وإنهم اعتزلوا عن اليهود بأن يقولوا لا مساس ، فإن كان هذا صحيحا فهم من بني إسرائيل يحل نكاح نسائهم ، وأكل ذبائحهم .

                                                                                                                                            وقال أبو سعيد الإصطخري في الصابئين : إنهم يقولون : إن الملك حي ناطق وإن الكواكب السبعة آلهة ، واستفتي فيهم في أيام القاهر فأفتى ، فهم القاهر بقتلهم ، إن [ ص: 295 ] لم يسلموا ، فاستدفعوا القتل ببذل مال جزيل ، فإن كانوا على ما حكاه أبو سعيد فهم كعبدة الأوثان ، لا يجوز أن يقروا بالجزية ، ولا تستباح مناكحهم ، ولا يحل أكل ذبائحهم ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية