فصل : ونحن نبدأ بشرح ما تضمنته الآية من تفسير وفقه .
أما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=29031_26868إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن [ الممتحنة : 10 ] ففيما يمتحن به وجهان :
أحدهما : بأن يشهدن بأن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .
والوجه الثاني : بما في السورة من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=12ياأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا [ الممتحنة : 12 ] الآية ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10الله أعلم بإيمانهن [ الممتحنة : 10 ] يعني بما في قلوبهن : لأن الامتحان يعلم به ظاهر إيمانهن ، والله يعلم ظاهره وباطنه ، ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10فإن علمتموهن مؤمنات يعني بالامتحان ،
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10فلا ترجعوهن إلى الكفار [ الممتحنة : 10 ] يعني تمنعوهن من الرجوع إلى الكفار من أهليهن وأزواجهن ،
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10لا هن حل لهم [ الممتحنة : 10 ] يعني أن المسلمة لا تحل لكافر بحال
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10ولا هم يحلون لهن [ الممتحنة : 15 ] فيه وجهان :
أحدهما : يعني أن الكفار لا يحلون للمسلمات بحال .
والوجه الثاني : يعني أن المسلم لا يحل له نكاح كافرة وثنية ، ولا مرتدة ، ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10وآتوهم ما أنفقوا يعني مهورهن ، وفي من تدفع إليه مهورهن قولان :
أحدهما : وهو قول
الشافعي أزواجهن دون غيرهم من أهليهن ، فعلى هذا يدفع ذلك إليهم إن كن قد أخذنه منهم ، ولا يدفع إن لم يأخذنه .
والقول الثاني : إلى كل طالب لهن من زوج وأهل وهو شاذ .
فعلى هذا يدفع إلى من كان مستحقا لطلبهن من زوج وأهل ، سواء أخذنه أو لم يأخذنه ، وهذا فاسد : لأنه قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10وآتوهم ما أنفقوا [ الممتحنة : 10 ] فلا يأخذ من لم ينفق ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن [ ص: 358 ] أجورهن [ الممتحنة : 10 ] يعني المؤمنات اللاتي جئن من دار الشرك مسلمات عن أزواج مشركين أباح الله تعالى نكاحهن للمسلمين إذا انقضت عددهن ، أو كن غير مدخول بهن .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10إذا آتيتموهن أجورهن يعني مهورهن ، وليس يريد بالإيتاء الدفع إلا أن يتضمنه العقد فيصير مستحقا ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10ولا تمسكوا بعصم الكوافر [ الممتحنة : 10 ] يعني أن
nindex.php?page=treesubj&link=26047الكافر إذا أسلم عن زوجة وثنية لم يقم على نكاحها تمسكا بعصمتها إلا أن يسلم في عدتها ، وفي العصمة هاهنا وجهان :
أحدهما : الجمال .
والثاني : العقد ، ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا [ الممتحنة : 10 ] يعني أن
nindex.php?page=treesubj&link=26048المسلم إذا ارتدت زوجته ، فلحقت بأهل العهد رجع المسلم عليها بمهرها ، كما يرجع أهل العهد علينا بمهر من أسلم منهم ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=11وإن فاتكم شيء من أزواجكم يعني من ارتدت إلى الكفار ، وهي زوجة المسلم إذا ارتدت فلحقت بأهل العهد ، وفواتها أن تنقضي عدتها في الردة ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=11فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا [ الممتحنة : 11 ] فيه وجهان :
أحدهما : فعاقبتم المرتدة بالقتل ، فلزوجها أن يرجع بمهرها في غنائم المسلمين ، وهذا قول شاذ ذهب إليه بعض المتكلمين .
والوجه الثاني : يعني : فعاقبتم الذين لحقت المرتدة بهم من الكفار ، وفيما أريد بمعاقبتهم وجهان :
أحدهما : إصابة العاقبة منهم بالقتل والسبي والغنيمة : فيدفع من غنائمهم مهر من ارتد إليهم .
والوجه الثاني : أنه كما يوجب عليهم مهر من ارتد إليهم ، ووجب لهم مهر من أسلم أيضا جعل ذلك قصاصا تساويا ورد فعل إن زاد فيكون معنى عاقبتم أي تقاصصتم ، وهو على الوجه الأول من العقب .
فَصْلٌ : وَنَحْنُ نَبْدَأُ بِشَرْحِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنْ تَفْسِيرٍ وَفِقْهٍ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=29031_26868إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ [ الْمُمْتَحِنَةِ : 10 ] فَفِيمَا يُمْتَحَنُ بِهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : بِأَنْ يَشْهَدْنَ بِأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : بِمَا فِي السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=12يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا [ الْمُمْتَحِنَةِ : 12 ] الْآيَةَ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ [ الْمُمْتَحِنَةِ : 10 ] يَعْنِي بِمَا فِي قُلُوبِهِنَّ : لِأَنَّ الِامْتِحَانَ يُعْلَمُ بِهِ ظَاهِرُ إِيمَانِهِنَّ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ يَعْنِي بِالِامْتِحَانِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ [ الْمُمْتَحِنَةِ : 10 ] يَعْنِي تَمْنَعُوهُنَّ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِيهِنَّ وَأَزْوَاجِهِنَّ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ [ الْمُمْتَحِنَةِ : 10 ] يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَحِلُّ لِكَافِرٍ بِحَالٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [ الْمُمْتَحِنَةِ : 15 ] فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : يَعْنِي أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَحِلُّونَ لِلْمُسْلِمَاتِ بِحَالٍ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ كَافِرَةٍ وَثَنِيَّةٍ ، وَلَا مُرْتَدَّةٍ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا يَعْنِي مُهُورَهُنَّ ، وَفِي مَنْ تُدْفَعُ إِلَيْهِ مُهُورُهُنَّ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ أَزْوَاجُهُنَّ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِيهِنَّ ، فَعَلَى هَذَا يُدْفَعُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ إِنْ كُنَّ قَدْ أَخَذْنَهُ مِنْهُمْ ، وَلَا يُدْفَعُ إِنْ لَمْ يَأْخُذْنَهُ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : إِلَى كُلِّ طَالِبٍ لَهُنَّ مِنْ زَوْجٍ وَأَهْلٍ وَهُوَ شَاذٌّ .
فَعَلَى هَذَا يُدْفَعُ إِلَى مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِطَلَبِهِنَّ مِنْ زَوْجٍ وَأَهْلٍ ، سَوَاءٌ أَخَذْنَهُ أَوْ لَمْ يَأْخُذْنَهُ ، وَهَذَا فَاسِدٌ : لِأَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا [ الْمُمْتَحِنَةِ : 10 ] فَلَا يَأْخُذُ مَنْ لَمْ يُنْفِقْ ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ [ ص: 358 ] أُجُورَهُنَّ [ الْمُمْتَحِنَةِ : 10 ] يَعْنِي الْمُؤْمِنَاتِ اللَّاتِي جِئْنَ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ مُسْلِمَاتٍ عَنْ أَزْوَاجٍ مُشْرِكِينَ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى نِكَاحَهُنَّ لِلْمُسْلِمِينَ إِذَا انْقَضَتْ عِدَدُهُنَّ ، أَوْ كُنَّ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهِنَّ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يَعْنِي مُهُورَهُنَّ ، وَلَيْسَ يُرِيدُ بِالْإِيتَاءِ الدَّفْعَ إِلَّا أَنْ يَتَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ فَيَصِيرُ مُسْتَحِقًّا ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [ الْمُمْتَحِنَةِ : 10 ] يَعْنِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26047الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ عَنْ زَوْجَةٍ وَثَنِيَّةٍ لَمْ يُقِمْ عَلَى نِكَاحِهَا تَمَسُّكًا بِعِصْمَتِهَا إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ فِي عِدَّتِهَا ، وَفِي الْعِصْمَةِ هَاهُنَا وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : الْجَمَالُ .
وَالثَّانِي : الْعَقْدُ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا [ الْمُمْتَحِنَةِ : 10 ] يَعْنِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26048الْمُسْلِمَ إِذَا ارْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ ، فَلَحِقَتْ بِأَهْلِ الْعَهْدِ رَجَعَ الْمُسْلِمُ عَلَيْهَا بِمَهْرِهَا ، كَمَا يَرْجِعُ أَهْلُ الْعَهْدِ عَلَيْنَا بِمَهْرِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=11وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ يَعْنِي مَنِ ارْتَدَّتْ إِلَى الْكُفَّارِ ، وَهِيَ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ إِذَا ارْتَدَّتْ فَلَحِقَتْ بِأَهْلِ الْعَهْدِ ، وَفَوَاتُهَا أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فِي الرِّدَّةِ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=11فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا [ الْمُمْتَحِنَةِ : 11 ] فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : فَعَاقَبْتُمُ الْمُرْتَدَّةَ بِالْقَتْلِ ، فَلِزَوْجِهَا أَنْ يَرْجِعَ بِمَهْرِهَا فِي غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَعْنِي : فَعَاقَبْتُمُ الَّذِينَ لَحِقَتِ الْمُرْتَدَّةُ بِهِمْ مِنَ الْكَفَّارِ ، وَفِيمَا أُرِيدَ بِمُعَاقَبَتِهِمْ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : إِصَابَةُ الْعَاقِبَةِ مِنْهُمْ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْغَنِيمَةِ : فَيُدْفَعُ مِنْ غَنَائِمِهِمْ مَهْرُ مَنِ ارْتَدَّ إِلَيْهِمْ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ كَمَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ مَهْرَ مَنِ ارْتَدَّ إِلَيْهِمْ ، وَوَجَبَ لَهُمْ مَهْرُ مَنْ أَسْلَمَ أَيْضًا جَعَلَ ذَلِكَ قِصَاصًا تَسَاوِيًا وَرَدَّ فِعْلٍ إِنْ زَادَ فَيَكُونُ مَعْنَى عَاقَبْتُمْ أَيْ تَقَاصَصْتُمْ ، وَهُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنَ الْعَقِبِ .